إعدام علي حسن مجيد الكيمياوي لن يُنهي آلام حلبجة
كتابة مريوان حمه سعيد من السليمانية (29 كانون الثاني 2010)
إعدام علي حسن مجيد الكيمياوي لن يُنهي آلام حلبجة
كتابة مريوان حمه سعيد من السليمانية (29 كانون الثاني 2010)
أتذكر هدير الطيارت الحربية في السماء، إختبائي في ملجأ بيتنا مع أفراد عائلتي وأصدقائي ، و خروجي من الملجأ بعد ساعات لأجد جثثاً مشوهة ترقد على الشوارع. أتذكر ناساً تحت أنقاض البنايات المهدمة تصرخ طلباً للمساعدة. كما أنني أتذكر الدخان الأسود الناتج عن قنابل النابلم والذي كان يغطي السماء ونحن نهرب على الأقدام بإتجاه ايران.
حينها كنت في الثامنة من عمري.
لطالما أرعبني اسم علي حسن المجيد حين كنت صغيراً. ذكرني دوماً بالفظاعة التي شاهدتها وبالأقرباء الذين فقدتهم. في مدينة حلبجة، كنا نفزع من "علي الكيمياوي" الى درجة لا أحد كان يتجرأ على ذكر اسمه علناً حتى حدوث الانتفاضة الكردية في عام 1991، حين سيطر المقاتلون الأكراد على ثلاث محافظات في شمال العراق.
العاصمة السياسية
صُدمت لأيام عدة حين اُعتقل علي حسن المجيد في آب 2003 من قبل القوات الأمريكية. لم أكن أصدق ان الرجل المسؤول عن مأساتنا وعن قتل الكثير من المسلمين الشيعة العراقيين أيضاً، سيُجلب أمام العدالة حقاً.
كما وصُدمت مرة أخرى هذا الأسبوع بإعدامه. فقد اُعدم بهدوء ودون أية جلبة. علمت بخبر إعدامه من إذاعة محلية حين صرخ مذيعها على الهواء " مبروك يا أهالي حلبجة، تم تنفيذ أمر العدالة بـ(علي الكيمياوي)"
أردت دوما أن يدفع المجيد ثمن ما أرتكبته يداه من جرائم، لكن الشنق بدى كفخ أكثر منه إعداماً. فعلى الأغلب سيتم إستخدام الشنق لتصعيد الموقف ضد بقايا حزب صدام حسين البعثي قبل الإنتخابات البرلمانية العراقية المقررة في آذار، لكنه بالنسبة لأهالي حلبجة فانه لا يعني تثبيت العدالة بالمعنى الفعلي للكلمة.
فبعد مرور أكثر من عشرين سنة على القصف الكيمياوي لحلبجة، لم يزل الناجون يعانون من مشاكل صحية ويعيشون في الفقر. يموتون بالسرطان ومشاكل في الجهاز التنفسي، ويولد الأطفال مع تشوهات خلقية يقول الأطباء بان سببها يعود الى ذلك القصف الكيمياوي.
ولطالما اُعتبرت مدينة حلبجة رمزاً للمعاناة و المآسي الكردية التي تسبب بها النظام البعثي. ومنذ القصف أستخدم السياسيون هذه المدينة كورقة سياسية، يزورها القادة الأكراد والعرب والأمريكان ليعبروا عن أقصى تعاطفهم. وثم يرحلوا بعيداً تاركين ورائهم الوعود غير المنفذة لمساعدة أهالي مدينتي.
وبالطريقة ذاتها بدى إعدام المجيد سياسياً. فقبل محاكمته في قضية حلبجة، كان قد صدرت بحقه اربعة أحكام إعدام في قضية قتل آلاف من المسلمين الشيعة والأكراد في الثمانينيات وبداية التسعينيات.
لا يداخلني أدنى شك بان إعدامه سيُستغل من قبل السياسيين. فمع اقتراب موعد الإنتخابات تتنافس الأحزاب الشيعية على من سيكون الأكثر قسوة على البعثيين.
فالحملات الإنتخابية التي لم تبدأ رسمياً بعد تدور في مجملها، وخصوصاً في الجنوب الذي يغلب عيله الشيعة، حول خطاب يتركز ضد البعث.
واللجنة الملكفة بإجتثاث البعثيين من السياسة العراقية قد منعت مؤخراً أكثر من 500 مرشح من خوض الانتخابات، لعلاقتهم بحزب البعث أو القيام بالدعاية للحزب.
وفي مناخ كهذا، يستطيع الأحزاب الشيعية الحاكمة ان تتباهى بان أثنان من الرموز الأكثر قسوة في تاريخ حزب البعث، وهما علي الكيمياوي وصدام حسين ، قد تم إعدامهما.
المعاناة مستمرة
وكناجٍ من القصف الكيمياوي، لست واحداً من محبي البعثيين. وأشعر كما يشعر ضحايا آخرون براحة البال لموت هذا الرجل الذي كان مصدراً لآلامهم ومسؤولاً عن موت أحبائهم.
لكننا نعيش في الحاضر وليس في الماضي. سيمثل إعدام علي الكيمياوي نجاحاً للأحزاب السياسية ، لكنه لن يحقق لحلبجة الضمان الصحي والوظائف وأبسط الخدمات الحياتية التي تحتاج إليها المدينة.
يستطيع الحكام ان يزعموا ان إعدام علي الكيمياوي قد حقق العدالة لمدينة حلبجة، لكن الواقع يشير الى ان آلامنا ومشاكلنا لا زالت بعيدة عن ان تنتهي.
وبسب هذا الإعدام ربما يستطيع الذين ساعدوا النظام في انتاج الأسلحة الكيمياوية التخلص من جرائمهم، وقد يصل بعض الأحزاب السياسية من خلال إستغلاله الى السلطة، لكن معاناة الضحايا لازالت مستمرة.
نُشرت نسخة من هذا المقال أولاً على الموقع الاكتروني لـ BBC NEWS.
مريوان حمه سعيد هو محرر ومنظم تدريبي عبر الشبكة الالكترونية لبرنامج معهد صحافة الحرب والسلم في العراق. و لا تمثل آراؤه بالضرورة آراء كل من معهد صحافة الحرب والسلم و BBC.