أهالي الفلوجة يكسرون الحصار
على الرغم من خطر القناصين, فقد استطاع سكان المدينة ان يشاركوا بعضهم البعض بالطعام والتجهيزات
أهالي الفلوجة يكسرون الحصار
على الرغم من خطر القناصين, فقد استطاع سكان المدينة ان يشاركوا بعضهم البعض بالطعام والتجهيزات
أدت المتاريس الى قطع طريقنا الى داخل الفلوجة, فترجلنا من السيارة رافعين قطعة قماش بيضاء, وسرنا ببطء حول السدة الترابية باتجاه نقطة التفتيش التي نصبها مشاة البحرية الأمريكية.
وأوضح صديقي معمر وضعه لأحد المترجمين قائلاً "أنا من أهالي الفلوجة وقد غادرت المدينة منذ ثلاثة أيام لاخراج زوجني زأطفالي, وعدت اليوم لأخبر أمي وأبي بتوفر مكان لنا في بغداد, كذلك لأعرف ان كانا بخير". وأخذ المترجم هويتينا وقام جندي البحرية بتسجيل اسمينا ودققهما مع ملفه, ثم أشر لنا لنمر.
وكان الطريق الرئيس مهجوراً عندما دخلنا الى المدينة, لكننا عندما استدرنا الى الشوارع الجانبية من أمام المباني المحاطة بالجدران, كان بامكاننا مشاهدة الناس وهم يراقبوننا من أبواب بيوتهم.
ولم يكد يمض وقت طويل حتى قامت مجموعة من عشرة مقاتلين من المقاومة بايقاف سيارتنا, وكان البعض منهم يغطون رؤوسهم كاملة باليشاميغ المرقطة في حين أظهر البعض الأخر وجوههم.
انهم يعرفون صديقي, وقدمني لهم كصحفي جاء الى المدينة لينقل ما يجري فيها. ولم تكن لهذه المجموعة من المقاتلين مشكلة مع الاعلام, إلا انهم يخشون ان الآخرين قد تكون لديهم مشكلة.
وفال أحدهم لصديقي "دعه يخفي هويته الصحفية, واذا كانت لديه آلة تصوير فليتركها هنا, وبامكانه ان يأخذها عندما يعود".
وتابع الرجل موضحاً "أخشى ان يقتله رجال المقاومة اذا ما شاهدوا الكاميرا معه, واعتقدوا انه جاسوس, واذا لم يكن جاسوساً فان من المحتمل ان يصادر الأمريكان كاميرته عند نقطة التفتيش ويأخذون منها صور المقاومة".
لقد توغلنا داخل المدينة ورأينا المحلات مغلقة ولا شيء يتحرك في الشوارع. كما شاهدنا مجموعة أخرى من المقاتلين, وأشروا لنا لنتوقف. وقدمني معمر هذه المرة على اني ابن أخيه, وسألناهم عن الوضع, فأخبرنا أحدهم قائلاً "لدينا مشكلة مع القناصين, الدبابات تتوغل الى الداخل لتنقل القناصين, فيدخلون البنايات الفارغة. ومعظم الناس الذين قتلوهم كانوا من المدنيين".
وعلى سبيل المثال,فقد تحدثوا عن طبيب اسمه أكرم قدم الى الفلوجة مع (12) متطوعاً للمساعدة. وعلى وفق ما ذكره المقاتلون, فقفد أصيب الدكتور أكرم باطلاقة في رأسه عندما كان يترجل من سيارة الإسعاف, ومات في الحال.
وأخبرنا مقاتل آخر ان القناصين صعدوا الى مسجد الروضة المحمدية وأخذوا يطلقون النار على كل شخص يخرج من بيته. وقررنا ان نرميه لكن أحد السكان قال "كلا. ان هذا مسجد, ومع ذلك اتفقنا على قتله بقديفة (آر بي جي) لايقافه عن قتل الناس". وادعوا انهم ضربوا هدفهم, لكنهم في هذه العملية أتلفوا مصابيح المسجد.
وتابعنا المسير وعثرنا أخيراً على أحد أقارب معمر واسمه مشعان حامد وهو مهندس يعمل في تشغيل مولدة كهربائية لتزويد الجيران بالكهرباء. وقد نفد وقود المولدة. وكان مشعان خائفاً جداً من القناصين اذا ما خرج الى الشارع من أجل الوقود.
وقال مشعان "ان مساجدنا مليئة بالمؤن والمساعدات التي أرسلها اخوتنا في بغداد ومدن أخرى, لكن المشكلة هي ان لا أحد يستطيع ان يخرج للحصول عليها".
وقدمنا مشعان الى أبوسياف, ضابط عسكري متقاعد وهو في الوقت نفسه "فدائي الحي" الذي خرج متعمداً ليتحقق من ان الشوارع آمنة للسير. وقال "لقد قررت ان أخرج, لأننا اذا ما أجبرنا على البقاء داخل البيت, فان أطفالي سيموتون من الجوع. ولا يمكنني ان أبقى أستمع الى بكائهم. ان أصواتهم تمزق قلبي. عندما خرجت (وبقيت حياً), فان الجيران أسرعوا في الخروج يقولون لبعضهم (اسرعوا, أسرعوا, تعالوا الى المسجد لأخذ الماء والطعام والحليب لأطفالكم). وملأت شاحنتي كلها بالطعام و تقاسمتها مع الجيران ووزعتها على الناس الذين تقع بيوتهم بعيداً عن الجامع. بكت النساء عندما شاهدن الطعام, ولديهن الماء كذلك. وكان الأطفال سعداء جداً".
*وسام الجاف ـ صحفي متدرب في معهد صحافة الحرب والسلام ـ بغداد