البحث عن الموتى
بقلم نير روسن (تقرير الأزمة العراقية المرقم 20 ، 27 مايس 2003 )
البحث عن الموتى
بقلم نير روسن (تقرير الأزمة العراقية المرقم 20 ، 27 مايس 2003 )
رفات متعفن ملقى على الأرض بجانب القبر هو كل ما تبقى من عبد الستار الموسوي يحيط به أهله وهم يبكون ويصرخون لقد اعتقل ابنهم عام 1998 وأعدم عام 2001 ، لكنهم لم يعلموا بإعدامه إلا منذ ثلاثة أيام فقط . و" حب الحرية " كانت هي جريمته كمال قال صديقه عبد الكريم الذي جاء ليبحث عن أخيه .
مع سقوط نظام صدام ، فأن الظروف التي اكتنفت اختفاء الآلاف من السجناء السياسيين قد كشف النقاب عنها لعوائلهم ، رغم أنها غير سارة .
أعداد كبيرة من عائلة الموسوي جاءت إلى مقبرة الكرخ وهي مقبرة تقع في الحصوة خارج حدود بغداد وقرب سجن أبو غريب حيث تم إعدام الكثير من السجناء السياسيين – للبحث عن أربعة من إخوانهم الذين اعدموا عام 2001 والذين تتراوح أعمارهم بين 27-35 سنة . ويعلق أحد أصدقاء العائلة بأنهم اعدموا دون سبب ، دون عدالة ، دون محاكمة ودون دفاع . كانت العائلة أول من دخل المقبرة عند الساعة السابعة صباحاً حاملين معهم التوابيت والأعلام السوداء في سيارة كبيرة وأخرى نوع بيكب .
الدفان محمد مسلم ، رجل قصير القامة يلهث من شدة التعب ، كان يبدي رغبة كبيرة في مساعدة الناس في العثور على موتاهم ، مما يثير الشك في انه إنما يكفر بذلك عن ذنب الاشتراك غير المقصود في الجرائم التي شارك في دفنها .
ومقبرة الكرخ هذه بحجم ملعب كرة القدم يحيطها سياج من البلوك بارتفاع مترين ومزروعة بأشجار اليوكالبتوس ، وأرضها رملية تتوسطها رابيات كثيرة هي قبور واطئة لأشخاص دفنوا هناك . بعض تلك الروابي كان فيها جحور لحيوانات كانت تقتات على الجثث ، وهناك لوحات تحمل أرقاما ثبتت فوق الروابي .
وعائلة الموسوي تحمل معها أرقام موتاهم حيث يقودهم الدفان محمد إلى القبر الأول وهو قبر عبد الستار الذي جلسوا عنده يصرخون ويبكون ويشد بعضهم أزر بعض .
وحين كف الدفان محمد عن الحفر وسط دهشة العائلة التي كانت تتمنى أن يكون القبر فارغاً ، ظهر التراب احمر قاتم رطب وكأن الدم قد صدأ عليه ، ترك الدفان المسحاة وبدأ باستخدام يديه ، ظهرت بقايا الجثة بلون الأرض . صرخ الجميع بصوت حزين واحد " أخوي " .
ًوضعوا الجثة على فرش من البلاستك ولفوها بالكفن ( قماش ابيض ) ثم وضعوها في التابوت الخشبي تمهيداً لنقلها إلى النجف لدفنها هناك في وادي السلام الذي يعد اكبر مقبرة في العالم يدفن فيها الشيعة موتاهم .
كان بعض اخوة عبد الستار يحضنون التابوت ، بينما انشغل بعضهم الآخر بالبحث عن بقية موتاهم " صلاح هادي – صلاح حسن – سعد قاسم وصديق العائلة قاسم احمد المالكي " . عند التاسعة صباحاً وصلت المقبرة ستة عوائل كان عويلهم يملأ أركان المكان وهم يبحثون عن أعزاء لهم .
حسين ساير نعمة الموسوي من مدينة الثورة ، 29 عاماً سجن في دائرة أمن الثورة مع أولاد العم الأربعة من عائلة الموسوي ، حكم عليه بالسجن 70 يوماً عام 2001 للشك في انه يعرف بعض المعلومات .
داغر جاسم الموسوي كان يخطط للهرب إلى إيران بعد فشل انتفاضة الشيعة عام 1991 ، جاء لزيارة قريبه ستار في السجن ، تلك الزيارة كانت سبباً لكل المأساة التي حلت بالعائلة بعد ذلك . أحد عشر رجلاً من عائلة الموسوي تم اعتقالهم أيضا ، وفي السجن ربطوا يدي حسين إلى الخلف وعلقوه منهما وبدأوا تعذيبه بالكهرباء وضربوه بالكيبلات والعصي الحديدية إلى أن سبح بدمه والسبب في ذلك هو لمعرفة سبب زيارة داغر للسجن والتي كانت أساسا لرؤية ستار . يقول حسين أن وجوه ضباط الأمن أولئك مطبوعة في رأسه ويتمنى لو يلتقيهم ليقتص منهم ، فهو لا يزال يتذكر ذلك الضابط السكران عباس الذي أوسعهم ضرباً والضابط حامد الذي قام بتنفيذ التعذيب .
بعض القبور لم تكن تحمل أرقاما ، مما يعني حرمان بعض العوائل من العثور على أعزائهم ، وعائلة الموسوي لا تدري هل بقية أبنائها المفقودين أحياء أم أموات ؟!!!.
لقد حصلوا على تلك الأرقام والمعلومات من جمعية حديثة النشأة تطلق على نفسها "جمعية السجناء الأحرار " تشكلت قبل ثلاثة أسابيع وتقع على نهر دجلة في منطقة الكاظمية وتتخذ من بيت مصادر لأحد عناصر الأمن السابقين مقراً لها . يقول المهندس محمد جمال عبد الأمير 28 عام انه وخمسون آخرين يعملون كمتطوعين وأنها أنشأت من قبل أربعة من السجناء السابقين ، وهي مشروع عراقي بحت ولا تستلم معونة ولا تنسق أنشطتها مع أي جهة خارجية . وتستقي الجمعية معلوماتها من الوثائق والملفات التي سرقها العراقيون من دوائر الأمن المختلفة – والتي أرعبتهم لفترة طويلة – وسلموها إلى الجمعية ومديرها إبراهيم الادريسي .
قوائم كثيرة ملصقة على جدران الجمعية الخارجية تحمل أسماء السجناء ، ومئات اليائسين يمررون أصابعهم بحثاً عن مصير أقربائهم يحدوهم الأمل لمعرفة مصيرهم .