المحكمة اظهرت مأساة حلبجة
تسعى المدينة الكردية التي تعذبت بتركة الهجوم الكيماوي إلى إنصافها في المحكمة.
المحكمة اظهرت مأساة حلبجة
تسعى المدينة الكردية التي تعذبت بتركة الهجوم الكيماوي إلى إنصافها في المحكمة.
ويس، في منتصف الأربعينات من العمر، هو أحد الناجين من الهجوم الكيمياوي على حلبجة في آذار 1988 الذي تسبب بمقتل عائلته وتشبعت رئتيه بالغازات السامة. على مدى احدى وعشرين عاما، ظل ويس مدافع متحمسا عن ضحايا حلبجة، ويبتسم بوهن مدركا أنهم سيتم الاستماع إليهم أخيرا في المحكمة.
قال ويس "كل ما كنت آمله هو رؤية المجرمين الذين دمروا حلبجة يحاكمون".
يحاكم أربعة من القادة السابقين لحزب البعث التابع لصدام حسين في بغداد بتهمة التخطيط و التنفيذ للهجوم، الذي قتل نحو 5000 شخص وجرح آلاف آخرين.
القصف الكيمياوي على حلبجة، وهي بلدة تقع على الحدود مع إيران، أصبح رمزا ملازما لمعاناة الأكراد في ظل حكم صدام حسين. اتهمت الحكومة العراقية السابقة باستخدام المواد السامة مثل غاز الخردل والفي أكس على المدنيين في الهجوم الذي جرى تنفيذه في المراحل الأخيرة للحرب الإيرانية- العراقية.
المحكمة هي السابعة ضد كبار المسؤولين البعثيين واستحوذت على اهتمام سكان حلبجة، الذين انتظروا عقدين لرؤية العدالة تسري.
تضبط أجهزة الراديو والتلفزيون باستمرار على المحاكمة. الحلبجيون ممتنون من أن القصص التي تم تناقلها لمدة طويلة في المنازل والمقاهي- للجثث المشوهة التي اضطر اللاجئون الى تركها، للألم والخسارة على إبادة عوائل بأكملها- أخيرا يجري الإخبار عنها من على المنصة.
قال آراس عابد، الذي فقد 12 من أفراد عائلته بضمنهم أبويه في الهجوم عندما كان في العشرين من العمر، "هذا الذي كنت انتظره". وأضاف "لا يهمني إن مت الآن؛ إنني أرى المجرمين وقتلة عائلتي يحاكمون".
لم تكن المحاكمة دون جدل ودراما. اختفى أحد المتهمين في ظروف غامضة؛ هناك بعض المخاوف من أن الآخر يمكن أن يعدم قبل نهاية المحاكمة. وان المدعين العامين يعدون بتقديم الدليل على قولهم أن الشركات العالمية جهزت الغازات السامة لنظام صدام.
يقول ممثلو الادعاء إن لديهم حجة قوية ضد المتهمين، بضمنها وثائق استخباراتية، أفلام فيديو وصور للهجوم وشهادات الشهود من نحو 72 شاهدا بما فيهم صحفيون أجانب زاروا البلدة مباشرة بعد القصف.
ابرز المتهمين علي حسن المجيد، وهو قائد عسكري سابق لدى صدام و رئيس الاستخبارات، الملقب بـ "علي كيمياوي" لدوره في الهجوم على الكرد.
يشمل بقية المتهمين وزير الدفاع الأسبق سلطان هاشم، و رئيس الاستخبارات السابق صابر الدوري و المسؤول السابق في الاستخبارات، فرحان مطلك الجبوري.
لم يصدر أي من المتهمين بيانات أو التماسات. ادعت حكومة صدام أن إيران نفذت القصف.
يأمل المدعون العامون وشعب حلبجة في أن القضية سوف لن تحقق العدالة فقط لكنها ستساعد أيضا الضحايا في المطالبة بالتعويض.
قال كوران أدهم، وهو كبير ممثلي الادعاء في المحاكمة، إن الشركات التي يعتزم الادعاء العام تسميتها في الصلة بتجهيز الغاز السام إلى النظام السابق قد "تبدي استعدادها في المساعدة في إعادة بناء حلبجة أو تقديم المساعدة المالية لأقارب الضحايا كي لا يقيموا دعوى "بعد المحاكمة".
كما تعهدت الحكومة المركزية بمساعدة حلبجة بمقاضاة هذه الشركات.
قال فؤاد صالح، وهو مسؤول محلي في حلبجة إن المسؤولين الكرد يريدون من المحكمة الاعتراف بالجريمة على أنها إبادة جماعية و على الحكومة العراقية تقديم التعويضات للضحايا.
الحاجة كبيرة. يستمر الناجون بمواجهة مجموعة من المسائل الطبية، بضمنها مشاكل تنفسية، رؤية وخصوبة، وكذلك السرطان. العديد منهم يمكن علاجهم فقط في الخارج، لكن القليل منهم لديهم موارد للعناية بأنفسهم.
قال ويس "لقد أمضينا نصف حياتنا نتعاطى الأدوية وإننا نصارع مع الموت في كل وقت".
أرسلت حكومة إقليم كردستان، KRG، بعض الضحايا إلى الخارج للعلاج وشرعت في مشاريع البنية التحتية في البلدة، حيث أن المباني المقصوفة تقف رموزا كالأشباح شاهدة على الغارة.
لكن الخدمات في حالة سيئة، والسكان يتهمون حكومة الإقليم بالإهمال علانية. في العام 2006، أحرق نصب يخلد ضحايا حلبجة عندما تحولت الصدامات بين المحتجين والقوات الكردية إلى دموية.
اختفاء الطيار العراقي السابق الذي كان يحاكم في القضية ولّد المزيد من عدم ثقة حلبجة بالسلطات. طارق رمضان، وهو ضابط سابق في القوة الجوية اتهم بتنفيذ الهجوم على حلبجة، فرّ من الاعتقال في أواخر تشرين الأول و ما زال طليقا.
يحقق برلمان إقليم كردستان في الاختفاء، الذي أثار غضب السكان والمدعين العامين.
قال ممثلو الادعاء الكرد إن هذا لن يؤثر على قضيتهم المرفوعة ضد المتهمين الآخرين، لكنهم صدموا لمعرفة الخبر من المحكمة وليس من حكومة إقليم كردستان. حيث حثوا المحكمة على التحقيق في الاختفاء.
قال أحد المدعين العامين، وهو باقر حمه صادق عارف، حسب بيان القوات الأمنية الكردية أن هرب رمضان وهو في طريقه إلى المستشفى كان "غير قابل للتصديق".
قال "كيف يمكن لمثل هكذا مجرم بارز الفرار من هذه المنشأة الضخمة بهذه السهولة"؟
زانا أحمد، وهو من سكان حلبجة فقد والده في الهجوم، تساءل أيضا عن قصة الاختفاء.
"لقد ضعفت معنوياتنا حقا لأننا نفهم بوضوح كيف أن مسؤولينا غير مبالين تجاهنا".
البعض أيضا قلق من أن المجيد، الذي دعاه عارف بـ "بنك المعلومات عن جريمة حلبجة"، يمكن أن يعدم للإدانة بالعديد من قضايا القتل الاضافية قبل نهاية المحاكمة.
شاهد سكان حلبجة بمشاعر امتزج فيها الفرح بالمرارة عندما أدين مسؤلوا النظام البعثي- كما الحال في قضية الزعيم العراقي السابق صدام حسين، الذي أعدم- على مدى السنوات العديدة الماضية لارتكابهم أعمالا وحشية أخرى ضد المدنيين العراقيين.
قال عبد القادر "نعتقد أن إعدام علي حسن المجيد [قبل انتهاء محاكمة حلبجة] سيعقد قضيتنا".
ينص القانون العراقي على أن حكم الإعدام ينفذ خلال 30 يوما من توقيع الرئيس على الحكم، لكن حتى الآن تجاهلت المحكمة الفقرة الشرطية، مما مكّن من الاستمرار في المحاكمة.
قال المدعون العامون والناجون إنهم يأملون في أن الحقيقة حول الهجوم ستظهر من خلال المحاكمة التي يتوقع لها أن تستمر لعدة أسابيع أخرى. وقالوا إنهم يأملون في أن الدول الغربية تراقب.
قال ساكن حلبحة زانا أحمد إن "بيئة المنطقة لا تزال غير صحية وغير مناسبة للعيش". وأضاف أن "آثار القصف الكيمياوي سيبقى لسنوات".
ريباز محمود وهو صحفي تدرب في معهد صحافة الحرب والسلام في السليمانية. خابات نوزاد وهو متدرب لدى المعهد في حلبجة.