المراقبة من بعد
الحرب في زمن حقيقي، ولكن اين الناس؟
المراقبة من بعد
الحرب في زمن حقيقي، ولكن اين الناس؟
في انتظار حملة "الصدمة والترهيب" العسكرية الامريكية الاكثر مسلحة، تعقب المراسلون الدوليون بدء الحرب لجمهور مترقب في انتظار عرض للالعاب النارية. 7/24 برامج تطلبت رؤوس متحدثة خلال امسيات منتصف الاسبوع المملة قبل ان بيدأ العرض.
تفحص مطّول للقطات متلفزة لامسيات هادئة تزامنت مع صور موحشة لتقاطع بغداد الرئيسي، تغير الاشارة الضوئية والشوارع خالية من السيارات.
المتحدثون، رجال ثابتون، ما عدا مراسل واحد لـ بي بي سي في عمان – ظهروا مرات عديدة خلال فترات هادئة ممتدة. لا يوجد هنا شيء، اضطروا للادلاء قبل ان تنتقل الشاشة الى موقع آخر، نظرة اخرى على قصة متقطعة.
المراسلين الذين تبعوا الساذجين البريطانيين والامركيين فهموا الامر كإنسياق محددا وحرفياً خارج الى البحر (out to the sea) بعيدا عن ساحة المعركة، مشاهدة صواريخ – منطلقة بدون معرفة الى اين هي متوجهة.
تم جرّ خبراء شاحبي الاوجه -يظهر بأنهم يعملون ساعات عمل اضافية- من اسّرتهم ووضعوا على أهبة الاستعداد "لمراقبة الوضع عن قرب".
ربما عنى ذلك مشاهدة نفس الشاشات كحضورهم – والحصول على القليل من الراحة. كان لدى بعضهم دعم لصور الكترونية معقدة التي كان التركيز فيها على تضاريس عراقية وعرة على مدى رادارات العدو المنافسة وسيناريوهات مختلفة غير معدودة.
عسكريون سابقون امريكيون بلهجة جنوبية بطيئة مدوا في كلامهم وهم يعّبرون عن ثقتهم بـ "القوة الفظيعة" للجيش الامريكي، وعبروا عن رضاهم بأن كل شيء يسير كما هو مخطط له، على الرغم من ان الخطة هي مختلفة تماما الان.
لمحاولة تحديد مكان صدام حسين وحاشيته بدأت الحملة بنبرة صغيرة. سواء كانت ام لم تكن فهي حقا فشلت والقصف العنيف المتوقع، لم يحدث. عوضا عن القصة الحقيقية، مهما كانت، لم يكن بالاستطاعة تصويرها- مع القصف المحدود لمنطقة واحدة، سمعت اصوات في منطقة اخرى، اشاعات عن تقدم سريع على البصرة و "ومحادثات استسلام سرية" متوقعة – ولكن من المؤكد انه لا يوجد شيء مؤكد.
الصحفيون الراسخين الذين يخدمون، او بالاحرى متمركزين، مع وحدات مكونة من افراد أعطوا عروض تغطية ساحرة لدبابات تتسابق في الصحراء متوجهة الى البصرة، و تمارين مضحكة للاقنعة الغاز، الاقل حظا فيهم، احيانا حاولوا التحدث من خلال تركيبتها الغريبة ولكن ايضا كانت هناك معلومات محدودة. قائد القوات، والذي كان قد ادلى بتصريح ملخص، اكد بأن كل شيء جاري حسب الخطة، والرجال مستعدون جيدا لمهمتهم وهلم جرا ....
في الاوقات النادرة عنما توفرت المعلومات، كانت عن القيام بعملية عسكرية، والمراسل اقر انه لم يكن بالامكان تقديم تقرير لتغطيتها. "سوف يأخذون بعض الوقت للتعود على هذا النظام الراسخ". علّق احد مراسلي المحطات الاساسية كانت من نفس النوع.
محطة فوكس، من المحطات الامريكية الوطنية المتحفظة بثت على شاشتها شعار "الحرب على الارهاب على خلفية علم أمريكي يرفرف ". هذا الشعار ربما حتى لم يتم تحديثه من 11 سبتمبر. ظهر مراسلهم بقميص قصير، غير حليق الذقن، بنفس مقطوع قدّم تقرير عن اقتتال ناري محلي – درامي، مخيف وبدون اي شك مدهش، ولكن لا يمت للموضوع بصلة، بدون معنى.
أما الـ CNN سي أن أن فمن جانب واحد تأرجحت بين ضباط عسكريين امريكيون ومراسليين عسكريين مشهورين ومعلقيين وضباط عسكريين امريكيين من جانب آخر – ولف، كرستين، وحتى لاري كينغ ادار محور الاخبار خلال برنامجه. حافظت المحطة على نبرة محايدة – احيانا فقط باداء الاعجاب للتقدم المستمر للقوات الامريكية – ولكن تحدثت بشكل خاص الى الامريكيين والى المصادر الرسمية.
الـ بي بي سي BBC صورت قليلا في الميدان – على الاقل خلال ساعات الليل المتأخرة – التغطية كانت اكثر من الاستوديو ولكنهم اعطوا صور متعددة مقارنة مع منافسيهم. على الرغم من ذلك، مثل المحطات الاخرى، لم تقر بشيء الا بالحرب – نحن، بعد كل شيء، لا نشاهد الاخبار، بل نشاهد الحرب – وقد قامت المحطة بالتركيز على بعض الاحداث الجانبية المرتبطة بالحرب. احدها كان اجتماع القادة الاوربيين الذي عقد في بروكسل والذي كان مشحونا بالتوتر الذي ما زال يحاول ان يفيق.
اجتماع القادة الاوروبين الذي عقد في بروكسل كان مشحونا بالتوتر عقب المشادات الكلامية حول الامم المتحدة. في تقرير شامل مميز، كانت الوحيدة من بين البقية التي قمت بمراقبتها التي كانت لها تغطية حول المظاهرات الجوهرية ضد الحرب، في اوروبا، وفي الولايات المتحدة وتقديم تقارير حول اعتقالات واسعة في سان فرانسيسكو.
كل ما ذكر اعلاه هو لاظهار مشكلة اساسية في التغطية الاعلامية للحرب: لم يكن هناك شعب حقا، جاء بعد ساعات. ولكن لم تكن هناك تقارير عن الناس الموجودون على جبهة المعركة. في أية مناطق، في الشوارع او حتى في منازلهم. الاهم من ذلك لم يكن هناك اي صوت لاي عراقي او كردي او عربي.
في لحظة معينة كان عند المراسلين نقص كبير بالاسئلة، من خلال مظهرها بين براق وغيرها. ظهر كأن الصحفي سيوجه سؤاله الى الصاروخ ليسأله: هل كل شيء ماشي حسب الخطة؟
يومين في الحرب، ولم نر قطرة دماء واحدة.
ربما كان الاقرب الى الحقيقة هي ردة فعل دافيد شاستر من محطة أن بي سي الاخبارية، والذي من شدة احباطه واقفا في غرفة تقديم التقارير الهادئة في الدوحة تسائل لماذا استخدمت العسكرية الامريكية مبالغ كبيرة من اموال دافعي الضرائب لبناء وحدة اعلامية لم يتم استخدامها بعد. لم تقدم تقارير اخبارية، وتفاصيل العمليات العسكرية، لم يتم بالامكان الحصول عليها حتى وان كانت لدى المراسلين، وها هو عالق مئات الاميال بعيدا عن الحدث.
"هم لا يريدوننا ان نحصل على الصورة الكبيرة". قال لا نملك اي معرفة لمجرى الاحداث. وهذا مخطط له."
انتوني بوردين هو المدير التنفيذي لمؤسسة IWPR.