الرابحون والخاسرون في ازدهار سوق العقارات ببغداد
إمتد إرتفاع أسعار العقارات حتى للأحياء الفقيرة في العاصمة، مما جعل الكثيرين غير قادرين على شراء المنازل.
الرابحون والخاسرون في ازدهار سوق العقارات ببغداد
إمتد إرتفاع أسعار العقارات حتى للأحياء الفقيرة في العاصمة، مما جعل الكثيرين غير قادرين على شراء المنازل.
سعدون البالغ من العمر 59 عاما و العامل في وزارة النقل يقول إن العقار الذي باعه مقابل 40 مليون دينار عراقي قبل عامين يمكن بيعه اليوم بـ150 مليون دينار في سوق العقارات.
قال و هو يشرح السبب وراء قيامه ببيع منزله بهذه السرعة، "شعرت أن الدورة لن تعود إلى الحياة مرة أخرى وأن المتمردين سيسيطرون عليها إلى الأبد".
إن عودة الإستقرار النسبي إلى العاصمة العراقية تسبب في رفع أسعار العقارات. لكن بينما يستفيد المستثمرون ووكلاء العقارات من هذا الازدهار الحاصل في الأسعار، هناك آخرون مثل سعدون يلعنون حظهم العاثر.
المالك أمره بإخلاء العقار الذي استأجره و يسكنه حالياً- منزل تبلغ مساحته 100 متر مربع وسط حي الحرية، والتي ارتفعت قيمته من 50 مليون إلى 90 مليون دينار في السنتين الماضيتين.
وقال سعدون "إرتفعت أسعار المنازل إلى درجة سوف لن أكون قادرا على شراء منزل لعائلتي، ولا حتى في مئة عام".
يسحق الركود الذي يزداد سوءاً المليارات من العقارات في جميع أنحاء العالم، لكن بغداد في موقع فريد يمكنه مقاومة هذا الفتور الإقتصادي.
فاقتصادها في منأى من الدمار الذي وقع في الغرب عن طريق الرهون العقارية المحفوفة بالمخاطر، حيث أن معظم المنازل في العراق يتم شراءها عن طريق صفقة نقدية واحدة.
الأهم من ذلك هو إن العاصمة كانت من أبرز المستفيدين من حملة لوقف العنف الطائفي الذي اجتاح العراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003.
جرى رفع عدد الجنود الأمريكيين المنتشرين داخل وحول بغداد كجزء من سياسة "الزيادة". أُقيمت جدران كونكريتية شاسعة لعزل القطاعات المضطربة في المدينة.
تم تجنيد المسلحين السنة الذين خيَّبت القاعدة ظنهم إلى مجاميع أمنية تساندها الولايات المتحدة نظمت في أنحاء الأحياء أو حسب الخيوط العشائرية. في نفس الوقت، جرى وقف نشاطات الأتباع المسلحين لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر باعلانه وقف إطلاق النار.
وحسب قول معين الكاظمي، رئيس مجلس محافظة بغداد، فإن العوائل التي هاجرت بسبب القتال بدأت بالعودة إلى احيائها القديمة متسببة في ارتفاع الأسعار. فاق الطلب على المنازل العرض بكثير.
وقال الكاظمي، "لا بد أن تبنى في بغداد عشرات الآلاف من الوحدات السكنية لتلبية الحاجة للمزيد من المنازل".
على الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة، فإن ساكني العاصمة السبعة ملايين يعيشون فيما يقدر بنحو مليون منزل.
بدأت أزمة السكن في المدينة في الثمانينيات وتفاقمت بسبب الحروب المتلاحقة والصراعات الداخلية.
طوال هذه الفترة، التجأ المزيد والمزيد من الناس الى بغداد، في حين أن التخطيط لمساكن جديدة بقي معلقا.
يقول وكلاء العقارات إنه خلال العامين الماضيين من الهدوء النسبي، فإن أسعار العقارات ارتفعت ثلاثة أضعاف.
يقول سامي بدير، وهو وكيل عقارات من حي الكاظمية، إن أكبر الزيادات كانت في الأحياء الراقية من الكرادة والكاظمية، حيث جرى بيع بعض الأملاك بمليارات الدنانير.
ويضيف بدير أن في أحياء الطبقة العاملة مثل الحرية، الصدر و الشعلة، تباع المنازل ذات الطابق الواحد وبمساحة 100 إلى 150 متر مربع بأكثر من 100 مليون دينار.
ويقول إنه "استغرب" من إمتداد ارتفاع الأسعار إلى الأحياء الفقيرة في بغداد والتي لا توجد فيها الخدمات الأساسية.
كما يجذب التحسن الأمني في بغداد اهتمام الأثرياء العراقيين من المناطق النائية حيث بدأوا مرة أخرى يعتبرون الأملاك في العاصمة كاستثمار مربح.
ووفقا لمثنى محمد، صاحب مكتب بيع و شراء العقارات في حي الكرادة، فإن "العائلات الغنية من الجنوب ومن مدينة الرمادي بدأت بشراء أملاك في بغداد مرة أخرى".
كان سوق عقارات بغداد مفتوحا أمام المستثمرين من خارج المدينة منذ العام 2003، عندما أنهت السلطات القيود المفروضة من قبل صدام حسين على شراء المنازل في المدينة.
فقد أصدر قانون يحظر على جميع العراقيين غير المسجلين كسكان بغداد في تعداد العام 1957 من شراء الأراضي في العاصمة.
كان الهدف من قانونه ظاهرياً الحد من الهجرة غير المقيدة إلى العاصمة، و لكن استفاد منه وبشكل فعال أعضاء حزب البعث. وغذى إلغاءه قبل خمس سنوات الإرتفاع الأول في أسعار العقارات في بغداد.
ويرى محمد أن الطلب من جانب الشركات سوف يستمر في رفع أسعار المنازل هنا، حتى إنها أصبحت من غير الممكن شراؤها من قبل معظم السكان المحليين.
وقال إن "العديد من الشركات المحلية والدولية تحاول الحصول على عقارات في بغداد، بغض النظر عن كلفتها".
ليس من المرجح أن يتم حل أزمة السكن في وقت قريب، حسبما قال حيدر العبادي، رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان العراقي.
وقال العبادي "العراق بحاجة إلى خطة طويلة الأمد لبناء المساكن، والتي ستستغرق خمس إلى عشر سنوات لتحقيقها".
قد لا يكون اقتصاد البلد متأثراً بمغامرة قرض الرهون العقارية (ما حدث في الولايات المتحدة) ولكن للتدهور المالي العالمي سبل أخرى لإحداث تأثيره.
وفقا للعبادي، فإن التراجع الكبير في أسعار النفط- وهو المصدر الرئيس للدخل الإجمالي للعراق- دفع البرلمان إلى إعادة تقييم الميزانية التي كان قد خصصها لبناء مساكن جديدة.
ونتيجة لذلك، كما يقول، فإن الفترة الزمنية المخصصة لإنجاز مساكن جديدة قد جرى تمديدها- فهي الآن أقرب إلى فترة عشر سنوات.
ويقول إن اللجنة الإقتصادية تعيد النظر في خطتها لبناء مساكن جديدة، آخذة في الحسبان تغير المناخ الاقتصادي.
باسم الشرع، صحفي تدرب في معهد صحافة الحرب والسلام.