السنة يسعون إلى دور سياسي جديد
متنافسين مع الكورد والشيعة, أخذ السنة يشكلون منظمات جديدة لتمثل مصالحهم
السنة يسعون إلى دور سياسي جديد
متنافسين مع الكورد والشيعة, أخذ السنة يشكلون منظمات جديدة لتمثل مصالحهم
بعد شهور من التغييب في ظل الحركات السياسية الكوردية والشيعية, فان قادة الأقلية السنية العربية ينتظمون بهدوء للمراهنة على موقع لهم في نظام عراق ما بعد الحرب.
يتمثل السنة العرب في تيارات دينية متعددة, إضافة إلى العشائر. البعض يدعي الولاء لحزب البعث المنهار. لكن المنظمات الجديدة تدعي أيضاً أنها نمثل السنة ككيان منفصل له مصالحه الخاصة به.
وما تزال العديد من هذه المنظمات السنية في خضم التكوين, ومن أبرزها ( هيئة علماء المسلمين ), وهي سلطة دينية بحتة. ومنظمة (أهل السنة والجماعة) وهي واجهة تدعي العمل على التنسيق بين مختلف الحركات الدينية السنية.
ولم تقم أي من هاتين المنظمتين بجهد كبير لاستعراض قدرة التعبئة لديها, على عكس أتباع آية الله العظمى علي السيستاني الذي أخرج مؤخراً إلى الشوارع عشرات الآلاف للمطالبة بالانتخابات المباشرة. كذلك تفتقر الجماعات السنية إلى القاعدة الجماهيرية التي يتمتع بها الحزبان الكورديان الكبيران: الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني, إضافة إلى تنظيم الضواحي الكبيرة لاتباع رجل الدين الشيعي المتطرف مقتدى الصدر.
ومع ذلك, لا تزال كلتا الجماعتين السنيتين مؤسستين حديثتين جداً, ولدتا في ظروف فراغ السلطة التي تلت انهيار النظام السابق.
وحسب عضو هيئة علماء المسلمين, الشيخ احمد حسن الطه, فان الهيئة أسست نفسها بعد الحرب لكي تتخذ القرارات الدينية في ظرف شعر الأعضاء فيه بغياب حكومة شرعية. فقال الشيخ طه "بسبب عدم وجود حكومة قائمة, فان على علماء الدين أن يمثلوا السلطة الدينية, ولهذا السبب أسسنا الهيئة بعد سقوط النظام القديم.
و أصدرت الهيئة قرارات مثل تعيين الأئمة في المساجد, و إعلان بداية ونهاية شهور التقويم الإسلامي, حيث يوجد مجال للتأويل.
وأظهرت الهيئة المكانة التي تحتلها بين سنة العراق خلال شهر رمضان المبارك, فقد أعلن مجلس الهيئة نهاية شهر الصيام قبل يوم واحد من اليوم الذي حددته هيئة مراقبة الشريعة, وهي هيئة تقع اسمياً تحت سلطة التحالف المؤقتة بقيادة الولايات المتحدة. وعندما أذيع القرار من شبكة الإعلام العراقية, اندفع السنة إلى الشوارع يطلقون أسلحتهم النارية في الهواء للتعبير عن احتفالهم, حتى إن أعضاء المراقبة الشرعية اعترفوا لاحقاً انهم كانوا على خطأ في معارضة قرار الهيئة.
ولدى الهيئة أيضاً طموحات كسلطة علمانية, وقال حسن النعيمي, أحد الأعضاء المؤسسين, لمعهد صحافة الحرب والسلام "إن الهيئة سوف ترشح أحد أعضائها ليكون الرئيس الإسلامي للعراق إذا ما عقدت انتخابات (ديمقراطية وشرعية).
وعلى الرغم من السلطة التي تستخدمها الهيئة ببراعة, فإنها تعد متطرفة جداً بالنسبة لسلطة التحالف المؤقتة لتتعامل معها براحة كمنظمة تمثل المجتمع السني. ومن جانبها, قال النعيمي, فان الهيئة تعتبر مجلس الحكم المعين أمريكيا غير شرعي, وتعتبر المقاومة ضد الاحتلال شرعية. وقال " لقد جاءت أمريكا للعراق للبحث عن أسلحة الدمار الشامل, وللتخلص من صدام, ولكنها الآن لا تمتلك السبب للبقاء على أرضنا, وأدعو الشيعة والسنة ليكونوا يداً واحدة لمقاومة الاحتلال".
وعلى وفق بعض المصادر داخل المجتمع, تخشى العديد من الشخصيات السنية ان اتخاذ موقف مجابهة حادة أكثر من اللازم, سيدفع بالمجموعة الدينية بكاملها, والتي تشكل أقلية في العراق, بعيداً عن مواقع السلطة.
هذه الخشية, تقول المصادر, دعت المزيد من السنة المعتدلين إلى الدفع باتجاه إيجاد تنظيم (أهل السنة والجماعة) التي عقد مجلسها الاستشاري الرئيس سلسلة من الاجتماعات في جامع أم القرى في بغداد في أواخر كانون الأول وأوائل كانون الثاني.
إن المجلس الذي يضم 230 عضواً من بينهم كورد و تركمان, إضافة إلى العرب, يسعى إلى الضغط من أجل إيجاد مصالح (سنية إسلامية) في الحكومة الانتقالية. والعديد من أعضائها هم أعضاء في هيئة علماء المسلمين.
وقال محمد احمد الرشيد, المتحدث باسم المجلس " سنتخذ موقفنا بشأن الانتخابات المقبلة لحكومة مستقلة, وسيكون لنا قول بشأن الدستور الذي سنطالب بان يكون اسلامياً ".
على الرغم من أن بعض الأعضاء مترددين في التصريح بمثل هذا القول للصحافة, فان العديد في المجلس يعتقد إنها محاولة لكي تراه سلطة التحالف المؤقتة كمنظمة أكثر اعتدالاً لدرجة يمكن معها دمج المجلس في عملية تقاسم السلطة.
ويقول رشيد وبعض أعضاء المجلس إذا أخذنا في الحساب الكورد والسنة من غير العرب, فان السنة سيشكلون الأغلبية, لكن الولايات المتحدة اختارت قصداً تهميشهم بتسمية الشيعة كغالبية في مجلس الحكم.
وقال مساعد أحد أعضاء أهل السنة, وفضل عدم ذكر اسمه "إن المجلس يهدف لأن يكون واجهة متعاونة مع التحالف. إن السنة حكموا العراق دائماً, وستقع الكارثة إذا ما حكم الشيعة". لكن بعض أعضاء المجلس يتخذون بوضوح الشيعة كنموذج في قيادتهم الدينية المركزية نسبياً.
وقال الشيخ احمد عبد الغفور السامرائي, إمام جامع أم القرى "نحن نرغب في أن تكون ثمة مرجعية ـ التعبير الشيعي عن مؤسسة علمائهم ـ للسنة لنتحدث بصوت واحد ونرص صفوفنا ولتكون قراراتنا في المستقبل ملزمة بطبيعتها".
وقال أحد أعضاء المجلس لقد وحدوا ثلاثة اتجاهات سوية, كل اتجاه له آراء مختلفة عن الآخر بشأن كيفية التعامل مع سلطة التحالف المؤقتة. الاتجاه الأول يتمثل في فرع العراق لتنظيم الإخوان المسلمين ـ حركة إسلامية بفروع في أرجاء العالم العربي ـ وقد شكل الأعضاء المنفيين من الإخوان الحزب الإسلامي العراقي, واحد أعضائه هو محسن عبد الحميد الذي شغل الآن مقعداً في مجلس أهل السنة.
عبد الحميد الذي يجلس في هيئة علماء المسلمين بالطريقة نفسها, قد اشتكى في مقابلات صحفية من أن السنة يتعرضون للتمييز في عراق ما بعد الحرب, لكنه ما يزال يصر على وفاق نسبي مع سلطة التحالف المؤقتة.
الاتجاه الثاني يتكون من فروع من مجموعات سنية غير معروفة, تحاشت السياسة تقليدياً.الاتجاه الثالث يشمل السلفيين, وهي حركة محافظة جداً يستند سلوكها على سلوك المجتمع الإسلامي في عهد الرسول محمد (ص).
السلفيون تقليدياً أعداء للصوفيين, واتخذوا موقفاً عدائياً ضد التحالف.
في الأول من كانون الثاني داهمت القوات الأمريكية جامع السلفيين الرئيس في بغداد, الذي يسمى ـ ابن تيمية ـ تيمناً باسم العالم الديني الذي عاش في القرن الرابع عشر و يعد الملهم الرئيس للعديد من الحركات الإسلامية المتطرفة في العالم العربي, واعتقلت إمام الجامع الشيخ مهدي الصميدعي. وادعى التحالف إن الجامع كان مركزاً لنشاط المقاومة, وقال انه عثر على أسلحة بضمنها مدافع مورتر وصاروخ مضاد للطائرات.
واشتكى السلفيون إن الجنود الأمريكان دنسوا بتعمد نسخاً من القرآن الكريم, وانطلقوا إلى الشوارع يهتفون " أمريكا عدوة الله ".
وبغض النظر فيما إذا اتخذ السنة موقفاً تصالحياً أم لا, فانهم في موقف صعب. وعلى النقيض من ذلك, فقد سمح للقيادة الشيعية بإرساء أسلوب النقاش السياسي لعراق ما بعد الحرب, طارحين دعوات قوية للانتخابات المباشرة لتشكيل حكومة مؤقتة. وقد أجبر هذا القوى الأخرى على الاختيار ما بين مواقف تجعلهم يظهرون إما غير ديمقراطيين, أو أن يصطفوا وراء السيستاني.
وطالب بعض قادة السنة بانتخابات مباشرة تحت إشراف الأمم المتحدة أو الجامعة العربية بدلاً من سلطة التحالف المؤقتة. لكن مصادر مقربة من كل من أهل السنة والهيئة, قالت إن الدعم يتنامى داخل الحركة لاختيار حكومة العراق المؤقتة من خلال سلسلة من المشاورات بين مختلف المجموعات العراقية.
وخرج حارث الضاري, رئيس الهيئة, بموقف إلى جانب مثل هذا الحل, وقال لمعهد صحافة الحرب والسلام, انه يرفض الانتخابات المباشرة مادامت القوات الأجنبية باقية في العراق, " لدينا شكوك إزاء صلاحية أية انتخابات ما دمنا تحت الاحتلال ".
وقال ضاري انه يرغب في حكومة مؤقتة يشكلها التحالف من بين ممثلين لمدن العراق تختارهم تجمعات من شيوخ العشائر والزعماء الدينيين, وشخصيات أخرى. ورؤيته هذه تختلف عن الخطة الأمريكية في أن التحالف لن يقوم بأي دور في العملية.
وأظهرت المدن السنية فعلاً بعض القدرة على إيجاد هيئات تمثيلية شرعية إلى حد معقول من خلال عقد سلسلة من الاجتماعات الأسبوعية بين 23 كانون الثاني و 5 شباط. فقد قامت شخصيات من مدينة الرمادي غربي العراق باختيار مجلس محلي يضم 40 رجلاً وامرأة واحدة, بحضور شيوخ العشائر, أعضاء الأحزاب السياسية, والجمعيات المهنية والزعماء الدينيين.
إن منظمات سنة العراق الوليدة هي في نوع من السباق مع الزمن, ومع التحالف وهو يدفع باتجاه إيجاد برلمان عراقي مؤقت عند نهاية حزيران.
قد يكون العرب السنة سيطروا على الحكومات العراقية في الماضي, ولكن ما لم يقوموا بإسراع عملية بناء المؤسسات, قد يجدون أنفسهم بتمثيل متواضع في الحكومات العراقية المقبلة.
هيثم الحسيني, وسام الجاف, عقيل جبار وضياء رسن ـ صحفيون متدربون في معهد صحافة الحرب والسلام ـ بغداد