الزراعة أيضاً من ضحايا الحرب
الكاتب: مناف الحشاش
الزراعة أيضاً من ضحايا الحرب
الكاتب: مناف الحشاش
يملك مصطفى الدرويش (65 عاماً) أرضاً زراعية في قريته تلمنس في ريف إدلب الجنوبي، مساحتها 50 دونماً تقريباً (الدونم يساوي ألف متر مربع)، غالباً ما كان يزرعها قمحاً أو شعيراً.
تتعرّض الأراضي الزراعية للقصف بالصواريخ والقذائف المدفعية. “لقربها من مقرات ومعسكرات المعارضة” حسب ما يعتقد مصطفى الذي أهمل زراعة قسم من تلك الأرض. ويقول: “أن نهمل زراعة الأرض أو زراعة قسم منها خير من أن تمزقنا طائرات النظام”.
حال مصطفى الدرويش هي حال معظم مزارعي قرية تلمنس، في ظل الحرب الدائرة في سوريا. تراجعت المحاصيل الزراعية في هذه القرية إلى نصف ما كان عليه الوضع قبل العام 2011.
يرد المزارعون في القرية الأمر إلى أسباب كثيرة أهمها: الارتفاع الكبير في أسعار المواد الأولية، إهمال المزارعين لبعض الأراضي بسبب الاشتباكات التي تحدث من حين لآخر فيها أو قريباً منها بين الفصائل المتحاربة، علاوة على قصف طائرات النظام من حين لآخر لهذه الأراضي بالصواريخ والبراميل المتفجرة.
نحو 15 ألف نسمة هم سكان قرية تلمنس التي تعتمد في المقام الأول على الزراعة البعلية (لا تحتاج للري). مساحة الأراضي الزراعية في القرية حوالي ثلاثين ألف دونم، قرابة سبعة آلاف منها مشجرة زيتوناً وعنباً وتيناً، والأخرى يزرع فيها القمح والشعير والعدس والحمص.
تخضع قرية تلمنس لسيطرة المعارضة المسلحة، وتحديداً جبهة النصرة والجيش الحر.
وفيما كانت توقعت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة الفاو، مزيدا من تراجع إنتاج القمح في سوريا بسبب تبعات الحرب الدائرة فيها. مشيرة إلى أن محصول القمح هبط إلى 2,3 مليون طن في 2012 من 3,6 مليون طن في المتوسط سنوياً. يبدو أن الوضع مستمر في التدهور على صعيد محاصيل القمح حتى يومنا هذا.
تضاعفت أسعار المواد الأولية كالمحروقات والسماد خمس مرات على الأقل مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عام 2011. تضاعفت بدورها أجور العمال ثلاثة أضعاف على الأقل.
محمود (55 عاماً) يملك دكان بقالة في القرية يقول “أن سعر ليتر المازوت قبل الثورة لم يكن يتجاوز 20 ليرة سورية، أما الآن فقد تجاوز 150 ليرة. وسعر كيس السماد الذي يزن خمسين كلغ قبل الثورة لم يكن يتجاوز ألف ليرة، أما الآن فقد وصل إلى خمسة آلاف ليرة. أما بالنسبة لأجر العامل الزراعي بشكل عام، فلم يكن يتجاوز 300 ليرة سورية يومياً قبل الأزمة، أما اليوم فوصل للألف”.
تبقى المقارنة بحسب محمود بين وتيرة ارتفاع أسعار وتكلفة كل الأمور وتيرة الارتفاع في أسعار القمح والشعير. سعر كيلو القمح لم يكن يتجاوز 25 ليرة قبل الثورة، وسعر كيلو الشعير لم يكن يتجاوز 15 ليرة. وخلال الثورة لم يتجاوز سعر كيلو القمح 50 ليرة والشعير 30 ليرة.
يرفض أفراد أسرة مصطفى الدرويش العمل في زراعة الأرض خوفاً من القصف والقذائف. ويرفض مصطفى أن يحمل النظام وحده المسؤولية عن تراجع الزراعة، بل المعارضة أيضا مسؤولة “هم يبنون مقراتهم ومعسكراتهم في الحقول والبساتين أو قريباً منها، فهل نتوقع أن يرسل لهم النظام الورود!”.
الحديث عن كون وجود قواعد عسكرية تابعة للمعارضة هو سبب تراجع الزراعة، يرد عليه أحد قادة المجموعات التابعة للجيش الحر ويدعى عبد المنعم نعسان بالقول: “نحاول قدر الإمكان الابتعاد عن الأماكن التي يتواجد فيها المدنيون، من بيوت وحقول، ومعظم الأماكن التي يقصفها النظام ليس لنا وجود فيها “.
عبد المنعم يعتقد أن القصف المتواصل من قبل النظام للمناطق الخارجة عن سيطرته هو “قصف ممنهج وسياسة يتبعها النظام للحد من قدرة الثوار على إدارة المناطق المحررة، وللإيقاع بين الثوار والمدنيين الذين حتماً لن يجدوا سوى تحميل الثوار المسؤولية عن ذلك ومطالبتهم بإخلاء الأماكن التي حرورها”.
ليس لدى المعارضة المسلحة ما تقدمه للمزارعين، وإنما ذلك شأن المجلس المحلي في القرية، التابع لحكومة المعارضة بحسب القائد في “الجيش الحر” عبد المنعم نعسان.
يملك حسن القويضي (50 عاماً) نحو مئتي شجرة زيتون، غرب القرية، بالقرب من وادي الضيف، المكان الذي بنت فيه قوات النظام معسكراً حصيناً، ظلت لأكثر من عامين تدور حوله الاشتباكات إلى أن تمكنت المعارضة من السيطرة عليه في 15 كانون الأول/ ديسمبر 2014.
يقول حسن: “تعرض بستاني للقصف من قبل مدافع وطائرات النظام مرات عديدة، وكانت النتيجة حرق 17 شجرة، ويباس 9 شجرات. وترك نحو 50 شجرة بلا قطاف وبلا عناية في الموسمين الماضيين”.
يقلل حسن من تأثير غلاء المواد الأولية على تراجع الزراعة، ويعتقد أن السبب الأساسي يرجع إلى بطش النظام وقصفه المتواصل للمناطق الخارجة عن سيطرته، الأمر الذي يجبر الكثير من المزارعين على النزوح خارج القرية، أو على الأقل إهمال العناية بأراضيهم.
ويقول حسن: “غلاء المواد الأولية عادة ما يعقبه غلاء الثمار، وبالتالي فدوره محدود في تراجع الزراعة”. ويعطي مثالا على ذلك سعر الكيلو الواحد من زيت الزيتون، قبل الثورة كان حوالي 160 ليرة، أما اليوم فقد تجاوز 600 ليرة.
يعتقد حسن أن ارتفاع الأسعار الحاصل في سوريا هو غالباً “غير حقيقي” وإنما ناتج عن انخفاض قيمة العملة السورية، حيث أن الدولار لم يكن يتجاوز قبل الثورة 50 ليرة سورية، أما اليوم فقد تجاوز 200 ليرة.
ويحمل حسن النظام كامل المسؤولية عن تراجع الزراعة قائلاً: “طائرات ومدافع النظام لا تقصف مواقع الثوار فقط، وإنما تقصف كل شيء. النظام لا يكترث بالمدنيين وبيوتهم وحقولهم. المناطق المحررة بحد ذاتها هي أهداف لجنوده”.
وأفادت تقارير تابعة لوزارة الزراعة التابعة للنظام السوري أن إنتاج الزيتون انخفض إلى النصف، نتيجة رحيل الكثير من المزارعين عن قراهم، وصعوبة وصول البعض الآخر إلى حقولهم بعد فقدان الأمن.
ويطالب المزارعون المجلس المحلي في تلمنس بالعمل على تحسين أوضاعهم، أو على الأقل تأمين المبيدات الحشرية والأسمدة المناسبة. ولكن المجلس ليس لديه ما يقدمه لهم بسبب ضعف تمويله، بحسب مسؤول الزراعة في المجلس أنيس الرحمون.