جراحو التجميل يخففون من ندوب الأنبار
المتضررون جسديا بسبب الإقتتال يقولون بأنه يتم تحاشيهم بسبب مظهرهم.
جراحو التجميل يخففون من ندوب الأنبار
المتضررون جسديا بسبب الإقتتال يقولون بأنه يتم تحاشيهم بسبب مظهرهم.
عثمان المختار في الفلوجة
الندبة التي امتدت على طول الجانب الأيسر من وجه "نور علي" كانت تذكرها بوقت وحياة، لطالما أرادت نسيانها.
نور البالغة من العمر 28 عاما كانت تجلس قرب النافذة في منزلها قبل عامين عندما انفجرت سيارة مفخخة في الخارج، حيث أدى الإنفجار إلى تطاير شظايا الزجاج على وجهها تاركة جرحا امتد من أسفل عينها حتى رقبتها.
بعد ذلك الحادث بدأ الأصدقاء والغرباء بالإمعان فيها والسخرية منها والشفقة عليها كما انفصل عنها خطيبها. ولم تتمكن من الحصول على وظيفة أيضا، بالإضافة إلى ارتدائها وشاحا لإخفاء وجهها.
في الأسبوع الماضي، خضعت نور لعملية أزالت 90% من ندبتها. تقول نور "انا متحمسة لمغادرة المنزل بثقة تامة... لم يعد هناك شيء يمنعني بعد الآن... أريد الحصول على عمل وان ابدأ حياة جديدة".
هكذا بدأت محافظة الأنبار المحافظة، ذات الأغلبية السنية العشائرية في غرب العراق، تستعيد عافيتها من سنوات القتال ما بين الجماعات المتمردة والقوات الأميركية.
ومنذ أن وضعت الحرب أوزارها، ازداد الإقبال على الجراحات التجميلية في مدينتي الأنبار الرئيسيتين، الفلوجة والرمادي.
فضحايا محافظة الأنبار ذات الماضي القريب العنيف من الذين يحملون الندوب يقولون بأنه يتم تحاشيهم بسبب مظهرهم، إلا إن جراحي المحافظة التجميليين يوفرون لهم فرصة جديدة للحياة.
طبقا لتقرير أصدرته مديرية صحة الأنبار في شهر تموز، هناك ما يقدر بـ100 شخص ممن توجد لديهم إصابات اثناء فترة القتال، يخضعون لجراحة تجميلية في المحافظة كل شهر. حيث يتم إنفاق ما بين 130,000 لى 250,000 دولار على تلك العمليات التجميلية في الأنبار شهريا، كما جاء في التقرير. كما ان معظم الزبائن هم من النساء.
وليد العاني، الذي كان جراحا تجميليا لمدة 12 عاما، يأس تقريبا من ممارسة اختصاصه لضعف الإقبال خلال السنوات الماضية. لكنه اليوم، يعلن عن عيادته في الراديو، وعيادته الواقعة في بناية مثقبة بالرصاص في الفلوجة، باتت تعج بالمرضى.
سعد ناصر، البالغ من العمر 44 عاما، والذي يعمل موظفا في احد المصارف، كان قد اخذ زوجته مؤخرا الى العاني لترقيع جلدها من جراء الحروق. ففي آذار عام 2006، تعرضت الى حروق شديدة في الظهر عندما طلقات التنوير أثناء المعارك مع المسلحين. حيث أدت إحدى هذه الطلقات التنويرية الى إحراق منزلهم.
ويردد ناصر، بكلفة 3000 دولار، فان هذه الرقع "ليست بالخطرة، ولكنها باهضة الثمن."
ومع ان البطالة تبدو إحدى أكثر مشاكل الأنبار إلحاحا، إلا إن هناك الكثيرين ممن يظهر أن لديهم النقود للانفاق على الجراحات التجميلية.
يقول العاني الذي تحمل جدران مكتبه صورا قبل وبعد قصص نجاحه "لم أر قط إقبالا مماثلا على الجراحة التجميلية كما هو الحال الآن... لقد تغيرت الظروف لسكان الانبار بعد الحرب".
والعاني يجري من 2-3 عمليات في اليوم الواحد، ويحول الحالات الأكثر تعقيدا والتي تحتاج لجراحات متكررة إلى متخصصين في عمان، دبي او دمشق.
وقد حث الإقبال المتواصل هذا مستشفى الفلوجة العام للإعلان عن رغبته في افتتاح وحدة جديدة للجراحة التجميلية. حيث يتلقى 11 طبيبا عراقيا حاليا تدريبا في ألمانيا ضمن منحة من قبل فريق الإعمار الإقليمي التابع للحكومة الأميركية، وتبتاع المستشفى معدات طبية خاصة لهذا الغرض.
لم يتم افتتاح الوحدة بعد، إلا إن محمد المحمدي، الذي يعمل مستشارا في المستشفى، قال بأن هناك الكثير من الطلبات من قبل المرضى الذين يتطلعون للجراحة، وأوضح "قد تعمل هذه الوحدة على مضاعفة عائدات المستشفى."
تتمتع هذه الجراحات بشعبية واسعة لدى النساء الشابات العازبات على وجه الخصوص، اللواتي يعتقدن بأن من يريد أن يتزوج لن يفكر في زوجة بعيوب جسدية.
لكن البعض منهن، صارت تجمع ما بين عمليات تجميلية لجروح ناتجة عن الحرب ولمسات تجميلية أخرى. فعندما ذهبت نور لإصلاح ندبتها، طلبت أيضا أن تُرفع حاجبيها.
ليلى جاسم البالغة من العمر 30 عاما، وهي إحدى مريضات العاني، بدأت باكتساب الوزن بعد مقتل شقيقها.
تقول جاسم التي تزن 95 كيلو غراما "أريد إجراء عملية شفط الدهون... فأنا ما زلت عزباء وأريد أن ابدوا بهيئة أفضل."
ويقدر العاني بان ثلاثة أرباع مرضاه لديهم جروح ناتجة عن الحرب، الا ان اختصاصه يشمل عمليات تجميلية أخرى أيضا مثل شفط الدهون، تفتيح البشرة، تكبير الصدر ونفخ الشفة، ورفع الحاجبين.
كما تعد النساء من أهم الزبائن، وقد وظف طبيبة عندها لبعض النساء من المرضى الذين يشعرن بعدم الارتياح لدى معالجتهن من قبل الرجال.
يقول العاني بان زعماء الدين وشيوخ العشائر لا يعترضون على عمليات جراحية لمشاكل طبية ملحة، إلا أنهم يبدون امتعاضا حيال الجراحات التجميلية. وهو يقول "ينظر لهذا الأمر على انه خداع لأزواج المستقبل" بالنسبة للنساء العازبات.
إلا إن النساء لسن الوحيدات اللاتي يقدمن على العمليات التجميلية. هيثم طه، البالغ من العمر 31 عاما، كان قد عانى من حروق من الدرجة الثالثة، وفقد أجزاء من إذنه جراء انفجار عبوة ناسفة في عام 2005.
طه، من الكرمة، وهي مدينة تقع إلى الجنوب من مدينة الفلوجة، يقول بأنه ترك عمله في إحدى محال السوبر ماركت، لان "الناس كانوا يشعرون بالإشمئزاز الشديد لأخذ أي شيء من يدي."
ويواصل "لم أطق النظر إلى نفسي في المرأة...كما إني لم اترك المنزل منذ 3 سنوات، ولم ارغب برؤية أي من أصدقائي."
طه أجرى مؤخرا جراحة استمرت لمدة 6 ساعات من قبل العاني في مستشفى خاص ببغداد وسوف يخضع لجراحة أخرى في غضون ستة أشهر لإصلاح أذانه.
وهو يقول "عندما تحسن الوضع الأمني، قررت نسيان كل شيء قد يذكرني بالفترة المظلمة وتوجهت إلى العيادة التجميلية، واليوم لقد شفيت بنسبة 70%، والحمد لله".
عثمان المختار- صحفي متدرب في معهد صحافة الحرب والسلام في الفلوجة/ الأنبار.