مدرسة خاصة لأولاد المغتربين الأكراد العائدين
منهاج تربوي معد بشكل خاص لأولاد المغتربين الأكراد العائدين يهدف الى استيعاب صدمتهم الثقافية
مدرسة خاصة لأولاد المغتربين الأكراد العائدين
منهاج تربوي معد بشكل خاص لأولاد المغتربين الأكراد العائدين يهدف الى استيعاب صدمتهم الثقافية
بالنسبة لسارا أسو البالغة من العمر (16) سنة، القادمة الى مدينة السليمانية العراقية الكردية هذه السنة بعد ان أمضت سنوات نشأتها في المانيا، فان الوضع أشبه بصدمة ثقافية. وتقول "لا توجد مقاهي لنذهب اليها، ولا أستطيع ارتداء ملابسي الاعتيادية لأن الأولاد يحملقون في بشدة."
وسارا واحدة من أقلية متنامية في المدينة. ان عدد العوائل المغتربة التي اختارت العودة الى كردستان منذ سقوط نظام البعث عام/ 2003، أخذ يتزايد كل سنة من العشرات الى المئات، ومن المتوقع ان يرتفع.
ان العديد من الصغار الذين يصلون حالياً الى السليمانية، قد أمضوا معظم سنوات حياتهم في الخارج. ويشكل مظهرهم الغربي تعارضاً مع أساليب المنطقة التقليدية.
ومن بين المشاكل الكثيرة التي نشأت جراء ذلك، هي مشكلة التربية الشائكة. ومن المعروف ان تغيير المدارس لم يكن في أي يوم أمراً سهلاً. إلا ان الانتقال الى مدرسة أخرى في بلد آخر بثقافة ولغة غريبتين يمكن ان يكون عنصراً في تكوين كارثة.
وفي مسعى لتسهيل التحول، فان ادارة محافظة السليمانية قد اتخذت الخطوة الرائدة في تأسيس أول "مدرسة دولية" في المحافظة.
وأوضح كاوان فرج، مدير التربية الميدانية الأقدم للمنظمة غير الحكومية "انقذوا الصغار" في كردستان التي تدير المشروع حالياً، قائلاً "في البداية، أرادت وزارة التربية ان تشرف على المشروع بنفسها. إلا انها حولته الينا لأننا كمنظمة غير حكومية مختصة بشؤون الصغار يمكننا تأسيس "مدرسة جاشا" ونعالج الحساسيات الموجودة بسهولة أكثر من الحكومة."
ان الأهداف الرئيسة لمشروع "مدرسة جاشا" تتلخص في تسهيل عودة العوائل الكردية من الخارج، وايجاد بيئة مساعدة لصغارها. وأضاف كاران قائلاً "ونأمل ان المدرسة ستتحول أيضاً الى مدرسة دولية تشمل أولاد العوائل الأجنبية التي تأتي الى كردستان العراق في مهمات طويلة الأمد."
وقد فتحت المدرسة أبوابها في أيلول/ 2004، ولكنها لحد الآن اقتصرت في تعليمها على دروس اللغات الانكليزية والعربية والكردية لتحسين مهارات الصغار في الاتصال. وسيقدم المنهاج الكامل في كانون الثاني المقبل، وستكون الانكليزية هي وسيلة التعليم.
وقالت دلفين جميل أحمد وعمرها (15) سنة والتي عادت مع عائلتها الى المنطقة من ايطاليا في آب الماضي "ذهبت في البداية الى مدرسة تدرس جميع دروسها باللغة الكردية، ولم أحبها. وقد عاملني بقية الطلاب كما لو كنت مختلفة. ولكن بعد ان سمعت عن المدرسة من أحد الأصدقاء وبدأت الدراسة هنا، شعرت بالتحسن."
ومن بين الطلاب البالغ عددهم (239) طالباً، فان نصفهم طلاب الدراسة المتوسطة الذين يداومون في فترة ما بعد الظهر، بينما يحضر البقية الى المدرسة الابتدائية التي تداوم في الصباح.
ويوجد في المدرسة (9) مدرسين فقط يعملون بجد ليجعلوا من المشروع عملاً ناجحاً، ولكنهم يعترفون بوجود عدد من المشاكل الغريبة التي عليهم وعلى الطلبة أيضاً ان يجتازوها.
وقالت مديرة المدرسة وكالة منيرة عمر حسن "لدينا طلاب من دول عديدة مختلفة، وهذا يعني أننا نتعامل مع نتاج أنظمة تربوية مختلفة جداً عن بعضها. هناك بعض الأمور التي قد تكون اعتيادية تماماً بالنسبة لهم، ولكنها غير مقبولة كلياً في هذا المجتمع. ونحن حريصون على اخبارهم بان عليهم ان ينسجموا مع نماذج الثقافة والسلوك هنا، إلا انه من الصعوبة بالنسبة لهم التكيف فهي رسالة تتطلب وقتاً لكي يتم استيعابها."
ويصر المدرسون العاملون في المدرسة ان على الطلبة ان يتكيفوا مع مقاييس الثقافة المحلية، وقالت مدرسة اللغة العربية في المدرسة شونيم غارين قادر "ليست لدي أية مشكلة في التدريس. المشكلة تكمن في تصرفات التلاميذ. انهم متعودون على ممارسة قدر كبير من الحرية، يمكنهم ان يغادروا الصف دون اذن، ويلوكون العلكة في الصف، ونحن نريد ان نعلمهم ان مثل هذا السلوك لا ينسجم مع تقاليدنا الثقافية."
وفي الوقت الذي قد تنبثق فيه المشاكل بالنسبة للمدرسين المحليين من الاختلافات الثقافية، فان المشكلة الأكبر يالنسبة لمدرس اللغة الانكليزية المتطوع البريطاني ستيف هارفي، هي ايجاد لغة مشتركة يتواصل بها. وقال "يكاد بعض التلاميذ لا يعرف الانكليزية، وليست لدي أية لغة مشتركة مع هذا البعض"
وهارفي، الذي درس سابقاً في بريطانيا، يشعر ان المشروع يستحق العناء، لكنه يجد أساليب التدريس الكردية رسمية وغير مرنة.
ومع الأخذ بالاعتبار موقفه في تفضيله للمرونة في اسلوب التعليم، فانه من الغريب ان تجد معظم التلاميذ يقولون ان درسهم المفضل هو الانكليزية. وقالت الطالبة لاينا ريبين شيلي "انا أحب درس الانكليزية فقط، وليست بقية الدروس."
ومع وجود ثماني قوميات مختلفة كمعدل في كل صف في "مدرسة جاشا"، يعترف هارفي ان من المستحيل اتباع طريقة واحدة في التدريس تلائم كل واحد. وقال "المشكلة الأكبر لا تكمن فقط في ان النظام مختلف هنا، انها تكمن في ان الطلبة قد جاءوا من أوربا كلها، ولذلك حتى اذا كان بامكانك تطبيق النظام الألماني على سبيل المثال، فان هذا لا يفيد الطلبة العائدين من السويد."
ان المدرسة تمنح أبناء العوائل العائدة مكاناً ملائماً في السليمانية، إلا ان الكثير منهم يشعرون بالتمزق بين البيئتين السابقة والجديدة، وما يزال يتوجب عليهم ان يتخذوا قرارات صعبة عندما يصبحون كباراً بما يكفي للمغادرة.
وقالت سارا "لا أعرف فيما اذا كنت سأبقى هنا او أعود الى أوربا عندما أتخرج. لا أستطيع ان أقرر، لأن هذا وطني، ولكني نشأت هناك. أشعر في بعض الأحيان انني غريبة في المكانين."
*ألان عطوف ـ منسق منطقة شمال العراق في معهد صحافة الحرب والسلام