شعور مقاتلو الميليشيات السنية العراقية بـ "الاهمال"
بغداد تكذب التقارير التي تفيد بعدم استلام مجالس الصحوات المدعومة من الحكومة لرواتبها واحتمالية انضمامها الى تنظيم القاعدة
شعور مقاتلو الميليشيات السنية العراقية بـ "الاهمال"
بغداد تكذب التقارير التي تفيد بعدم استلام مجالس الصحوات المدعومة من الحكومة لرواتبها واحتمالية انضمامها الى تنظيم القاعدة
عثمان المختار (تقرير الازمة العراقية رقم. 351، 26 آب- أغسطس 2010)
اتهم قادة ميليشيات سنية مؤيدة للحكومة، زعماء حكوميين عراقيين بتركهم فريسة للفقر وعرضة لأعمال العنف. وتأتي هذه التحذيرات في وقت يستخدم فيه تنظيم القاعدة خليطاً من الترهيب والترغيب يهدف الى جذب المقاتلين السنة للالتحاق بالمتمردين.
وقد أصبح مستقبل مجالس الصحوة، والمدعومة من الولايات المتحدة، موضع قلق متزايد، وخصوصاً عقب انسحاب آخر القوات الامريكية المقاتلة يوم 19 من آب الجاري، ووسط حالة من الجمود السياسي بسبب فشل الزعماء العراقيين في تشكيل حكومة جديدة منذ اجراء الانتخابات البرلمانية في آذار الماضي.
والصحوة، التي تعرف ايضاً باسم مجالس الصحوة او أبناء العراق، هي حركة عشائرية عربية سنية لعبت دوراً مهماً منذ 2006 وما بعد، في محاربة جماعات المتمردين. والجدير ذكره بان الكثير من أعضائها كانوا أنفسهم متمردين سابقاً.
وكانت القوات العسكرية الامريكية تدفع مبلغ 300 دولار شهرياً لكل مقاتل، لكن قادة الصحوات يشكون من ان تسليم السيطرة العسكرية الى الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة قد أدى الى التأجيل وعدم دفع رواتبهم.
"لقد تركنا مواضعنا، وان الجيش والحكومة يتخبطان، والجميع قلق من الانسحاب الامريكي" يقول خليل التميمي، قائد الصحوة في منطقة ابوغريب غربي العاصمة بغداد. " على الحكومة الجديدة ان تتوسل بنا لنعيد تنظيم أنفسنا وشن حرب جديدة ضد خلايا القاعدة بهدف اعادة الامن الذي حققناه خلال العامين الماضين".
ويتزايد السخط بين أعضاء الصحوة، وهو موجه الى الادارة الامريكية والحكومة العراقية، حيث يتهمونهما بالفشل بالوفاء بتعهداتهما في توفير الوظائف او دمجهم داخل الاجهزة الامنية العراقية.
"علينا ان ندرك بانه قد تمت خيانة الصحوات من قبل الامريكان وحكومة (رئيس الوزراء) نوري المالكي" يقول الشيخ حميد الهايس، رئيس مجلس انقاذ الانبار، وهي جماعة من للصحوة في محافظة الانبار. " لقد حققنا ما عجز الامريكيون والجيش العراقي من تحقيقه. هزمنا القاعدة في مدننا، ولكن القادة الذين حاربوا القاعدة يجلسون في المقاهي بلا عمل، ولم يدفع لهم فلساً واحداً".
واضاف الهايس " ان خلفياتهم تمنعهم من العمل في الوظائف العادية. عرض المالكي على هؤلاء الرجال وظائف مثل منظفين وكناسي الشوارع، وهذه اهانة لهم".
وقد جعل نفوذ القاعدة المتعاظم وأساليبها الجديدة، الاوضاع أكثر تعقيداً. فقد ترواحت اساليبها ما بين شن هجمات وحشية على افراد الصحوات، وبين عرض الصفح ودفع الاجورلهم، في حال التحقوا بها وحملوا السلاح ضد القوات الامريكية وحكومة بغداد.
وفي الاسابيع الاخيرة، تصاعدت وتيرة قتل الشخصيات البارزة في الصحوات. ففي 23 من آب قتل قائد محلي للصحوة في مدينة بعقوبة الواقعة على بعد 65 كم شمال شرق بغداد. وقبل ذلك باسبوع، انفجرت قنبلة كانت قد ربطت بسيارة، مما أدى الى قتل قائد للصحوة وجرح شقيقه في نفس المدينة.
وكانت الصحوات وخصوصاً في محافظة الانبارالغربية، حيث تم تأسيسها، هي الأكثر عرضة للهجمات.
"استهدف 60 بالمئة من الهجمات المسلحة في الانبار، مجالس الصحوات، وخصوصاً بين منتصف آذار وبداية آب" يقول النقيب علي الدليمي من مديرية شرطة رمادي. " تم تدمير 23 منزلاً وقتل 29 من مقاتلي الصحوة بواسطة العبوات الناسفة، او عن طريق الاغتيال باستخدام المسدسات الكاتمة للصوت. كما وأصيب 44 منهم بجروح، وترك 12 من القادة مناصبهم، والبعض منهم غادر العراق".
وبلغت الهجمات ذروتها في 18 تموز عندما قتل انتحاري 45 عضوا من مجالس الصحوات، وجرح عشرات آخرين بينما كانوا واقفين في طابور لاستلام ما يفترض ان يكون رواتبهم المتأخرة في أحدى ضواحي بغداد الجنوبية. وفي نفس اليوم، استهدف هجوم انتحاري ثان، مقر القيادة المحلية لمجلس الصحوة في مدينة القائم الشرقية، مما ادى الى قتل 3 واصابة 6 آخرين.
وقد تركت أعمال العنف هذه أفراد مجالس الصحوات يشعرون وكانهم تركوا في العراء عرضة للموت.
"تركتنا الحكومة مكشوفين للقاعدة" يقول الشيخ رعد الصباح، قائد الصحوة في الرمادي، مركز محافظة الانبار. "حتى ان اسلحتنا الشخصية تمت مصادرتها بذريعة انها غير مرحصة. كل تضحياتنا ذهبت أدراج الرياح. واليوم نقف بوجه عاصفة جديدة- القاعدة. لقد حتمت الحكومة علينا الموت"
ويضيف النقيب الدليمي " لقد عملت الاستهدافات الجديدة على تقوية ما يعتقده الكثيرون من ان الصحوة لم تكن سوى فردة حذاء ارتدها كل من امريكا والحكومة للخروج من المستنقع الذي كانت تتخبط فيه المحافظات السنية عندما كانت القاعدة تسيطر عليها".
ويمثل تأخير دفع الرواتب مصدر احباط عميق للصحوات التي تتمتع بقوة فعالة.
وابلغ الشيخ محمد الزوبعي، وهو الناطق باسم مجلس الصحوة في مدينة الفلوجة الشرقية، معهد صحافة الحرب والسلام، بان افراد الصحوة هناك لم يستلموا رواتبهم منذ 3 أشهر.
وأنكر العميد مارد حسون، مدير قسم الشؤون العشائرية في وزارة الداخلية، التهم التي تقول بان مشاكل الرواتب هي التي تدفع أعضاء الصحوات للالتحاق بتنظيم القاعدة. وقال حسون بانه تم ضم 20 بالمئة من مقاتلي مجالس الصحوات الى وزارتي الدفاع والداخلية. وان 75 بالمئة عينوا في وظائف في وزارت اخرى.
"وما يتبقى هو عدد قليل من الذين لم يلتحقوا بأية وزارة، وحتى انهم يستلمون مساعدات كافية" قال حسون لمعهد صاحفة الحرب والسلام. " أما فيما يخص الذين التحقوا بالاجهزة الامنية والوزارات الخدمية، فانهم يستلمون اجورهم مثل زملائهم. ولا صحة للتقارير التي تقول بان أفراد الصحوات سينضمون الى القاعدة".
لكن من جهته اعترف رفعت محمد، رئيس لجنة المصالحة الوطنية الحكومية في محافظة الانبار، بان الرواتب تصل متأخرة وهي أقل مما كانت عليه في السابق.
"لقد عرضت الحكومة الرواتب على الذين قاتلوا القاعدة في مناطق خطرة، لكن المبلغ لا يصل الى 10 بالمئة مما كان يدفعه الامريكيون" قال محمد. " بالاضافة الى ذلك، فان الرواتب تصل متأخرة- مرة كل 3 او 4 أشهر. ان بعض افراد الصحوة لم يستلموا رواتبهم منذ 6 أشهر".
ويتابع محمد بان السلطات الحكومية عرضت على مقاتلي الصحوات وظائف وحسب مستواهم التعليمي، لكن الكثير منهم رفض هذه الوظائف، كحراس أمنيين او مستخدمين في محطات الوقود لانهم يعتبرون هذه الاعمال دون مستواهم".
وبالاضافة الى شن الهجمات على أعضاء الصحوات، فان القاعدة استخدمت أشكالاً اخرى من الترهيب والترغيب في محاولاتها لتقسيم مجالس الصحوة.
ويقول الشيخ فلاح، وهو قائد أحد مجالس الصحوات في الجزء الغربي من محافظة الانبار، بانه هو وما لايقل عن 6 من قادة الميليشيات استلموا رسائل من القاعدة تطلب منهم غض الطرف عن الاعمال التي يقوم بها المتمردون، والتعاون معهم في زرع العبوات الناسفة، ونصب الكمائن للقوات الامريكية والعراقية.
"لقد قالوا بانهم سيفتحوا أذرعهم لنا، وسيعفون ويحمون أولئك الذين يتركون مناصبهم في مجالس الصحوات ويتخلون عن ولائهم للولايات المتحدة" يقول العلواني. " كما وقالوا بانهم في المقابل لن يعاقبوننا على محاربتنا لهم في الماضي. وسوف يدفعون لنا- وهذا الشيء نحن بأمس الحاجة اليه في الوقت الحاضر خاصة بعد تخلي الحكومة عنا".
ويرى قيس العبيدي، الذي يحاضر في العلوم السياسية في جامعة الانبار، بأن لدى مقاتلي الصحوة الكثير ليخسروه اذا ما لجأوا الى تنظيم القاعدة. فهم مسجلين لدى السلطات، ومن السهل تعقبهم من قبل الاجهزة الامنية في حال تركهم لمناصبهم، يقول القيسي.
كما وقال القيسي، بانه لا مستقبل لهم مع تنظيم القاعدة.
" ان العودة الى القاعدة ستكون بمثابة الاقدام على الانتحار، لانه لا يمكن الوثوق بها". يقول القيسي. " ربما سيقتلون اعضاء الصحوات بعد استغلالهم، كما كانوا يفعلون مع الشرطة الذين جندوهم".
لكن ليس الجميع متأكداً من ذلك، اذ يقول مزهر الملا، عضو مجلس محافظة الانبار، بانه قلق جداً من توقيت هجمات القاعدة، ومحاولاتها كسب ود أفراد الصحوات المتذمرين من اوضاعهم.
وعبر عن خشيته من ان القاعدة تخطط للقيام بـ "شيء كبير" في الانبار.
"نواجه مشكلة خطيرة" يقول الملا. "لقد رأينا القاعدة تنمو كنتيجة لازمة الحكومة والوضع الامني. نخشى من انها ستجد طريقة لجذب مقاتلي الصحوة اليائسين الذين لا يملكون سوى أكاذيب الحكومة وتهديدات القاعدة".
عثمان المختار، صحفي متدرب في معهد صحافة الحرب والسلام من مدينة الفلوجة.