سياحة تونس بعد الثورة تستقطب فقراء أوروبا والدعاة الإسلاميين
سياحة تونس بعد الثورة تستقطب فقراء أوروبا والدعاة الإسلاميين
الكاتب: معز الحريزي
في سوق الصناعات التقليدية بمدينة الحمامات ، يقف احمد النصري او كما ينادونه تجار السوق "عم احمد" وهو رجل في الستينات من عمره امام دكانه المختص في بيع الخزف التقليدي واضعا شاشية تونسية فوق راسه ويسمينة على اذنه، وكان يحاول اقناع السياح المارين من امام دكانه بالدخول ومشاهدة بضاعته معتمدا في ذلك على اتقانه التكلم باللغات الاجنبية ، وفي اغلب الاحيان لا نفهم باي لغة يتكلم لكننا نفهم من خلال ابتسامات السياح المارين ان عم احمد يستعمل اسلوب المزاح لجذبهم لدكانه.
في حديثنا معه يقول عم احمد انه بدء العمل في هذا الدكان منذ سن ال 17 حيث كان في البداية يساعد والده في ادارة شؤون الدكان، وبعد وفاة والده تحولت مسؤولية الدكان له . ويضيف عم احمد قائلا " لهذا الدكان فضل كبير على ابنائي الستة، فبمداخيله المحترمة عاشوا حياة كريمة و نجحوا في دراستهم وفيهم اليوم الطبيب والمحامي والاستاذ".
وبسؤاله عن ظروف السياحة في تونس بعد الثورة، يقول عم احمد ان سنة 2011 هي سنة للنسيان لان السياح كانوا شبه غائبين بسبب تردي الوضع الامني في البلاد اما في سنة 2012 فقد شهدت الحركية السياحية بعض التحسن الطفيف مقارنة بسنة 2011 وفي هذه السنة (2013) الحركة السياحية كانت افضل من سنتي 2011 و2012 غير انها لم تعد الى النسق الذي كانت عليه قبل الثورة، ويضيف محدثنا مازحا سياح هذه السنة "الكثرة وقلة البركة" فهم موجودون لكنهم لا يشترون و يبدو لي انهم من فقراء اوروبا.
ويشكل قطاع السياحة دعامة أساسية للاقتصاد التونسي حيث انه يمثل مصدر دخل رئيسي للعملات الأجنبية اذ يساهم سنويا بأكثر من 50 بالمائة من إجمالي مصادر تونس من العملة الصعبة، كما يوفر نحو 7 % من الدخل القومي الإجمالي، ويساهم في تغطية نحو 63.5 بالمائة من عجز الميزان التجاري للبلاد .
ويستقطب القطاع السياحي في تونس سنوياً استثمارات تصل إلى 150 مليون يورو، منها ما معدله 15 إلى 20 % من الاستثمارات الخارجية.
ويوفر قطاع السياحة 400 ألف فرصة عمل مباشرة، وأكثر من مليوني فرصة أخرى غير مباشرة من قطاعات ترتبط بالسياحة كالصناعات التقليدية ونقل السياح أي انه يساهم ب15 بالمائة من اليد العاملة التونسية.
وتصل الطاقة الفندقية في تونس حالياً إلى “220″ألف سرير، من خلال “600″وحدة فندقية، وتتطلع تونس إلى زيادة هذه الطاقة لتصل إلى “400″ألف سرير بحلول عام 2016، لاستقبال أكثر من عشرة ملايين سائح سنوياً.
ويبلغ الموسم السياحى فى تونس ذروته خلال أشهر جوان ، جويلية، اوت.ومنذ ثورة 14 جانفي 2011 التي اطاحت بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي اصبح المهنيوين والعاملون في قطاع السياحة من اصحاب نزل ومطاعم سياحية وعمال واصحاب الحرف يشتكون من تراجع الحركية السياحية وتقلص مداخيلهم معربين عن قلقهم عن مستقبل القطاع في خضم المرحلة الانتقالية التي تعيش على وقعها البلاد والمتسمة بالضبابية وعدم الاستقرار السياسي والامني.
تشكيات وتخوفات اهل قطاع السياحة لها ما يبررها ، فالأرقام الرسمية التي اعلنت عنها وزارة السياحة التونسية تشير الي تراجع هام في عدد السواح اذ انه في سنة 2011 زار تونس 4 ملاين و 800 الف سائح مقابل 7 ملاين سائح زارو تونس في سنة 2010.
وفي سنة 2012 زار تونس قرابة ال5 ملاين و800 الف سائح وخلال هذه السنة ( 2013) زار تونس في الفترة المتراوحة بين شهر جانفي و اوت 4 ملاين و 200 الف سائح.
تراجع القطاع السياحي اثر بدرجة كبيرة على الاقتصاد الوطني، فقد اكد البنك المركزي التونسي في العديد من البيانات ان تقلص مداخيل السياحة ساهم في تفاقم العجز التجاري وتراجع تراجع احتياطي البلاد من العملة الصعبة بشكل كبير وقد وصل الاحتياطي في نهاية شهر سبتمبر 2012 الى ما يعادل 95 يوما من الاستيراد مقابل 116 يوما من الاستيراد خلال نفس الفترة من سنة 2010 وذلك في سابقة تعتبر الاولى من نوعها.
ويقول فتحي الدالي وهو صاحب فندق، ان تراجع توافد السياح من الاسواق التقليدية والمعروفة بإنفاقها وبحثها عن الخدمات الجيدة مثل السوق الفرنسي الذي تراجع ب نسبة 30 بالمائة دفع اصحاب النزل الى فتح الباب للسياحة الكمية واستقبال جنسيات أخرى اغلبها «من دول أوروبا الشرقية » اي جلب سياح بأسعار منخفضة" لمجابهة الضرف الصعب، ويضيف محدثنا قائلا" لقد لجئنا للسياحة الكمية حتى لا نغلق الفنادق ونسرح العمال ونحن الان لا نبحث عن كسب ارباح وكل ما نصبوا اليه هو القدرة على دفع اجور العمال وخلاص الفواتير.
وينتقد الدالي الارقام الايجابية التي قدمتها وزارة السياحة بخصوص الحركية السياحية لهذه السنة، قائلا "وزارة السياحة تتحدث عن الاعداد الهامة التي توافدت على بلادنا هذه السنة لكنها لا تضع تلك الارقام في سياقها العام ولا تقول ان هؤلاء السياح يقيمون بتكاليف اقل من التكاليف العادية".
الدعاة والإرهاب هما المشكلة الأكبر
وبحسب مختصين وعاملين في السياحة فإن القطاع يواجه العديد من المشاكل ويصنفونها صنفين؛ خارجية تتعلق بالظروف الامنية التي تعيشها البلاد والاضطرابات الاجتماعية، وداخلية تتعلق ببنية القطاع السياحي والخدمات السياحية المقدمة ونوعية السياحة التي ترتكز عليها البلاد.
ويلاحظ محمد العلوي وهو سائق سيارة نقل سياحي بانه وبسبب الخوف من الارهاب والعنف اصبح السيّاح يرفضون مغادرة النزل والانخراط في رحلات داخلية في اتجاه الصحراء والمتاحف والمناطق السياحية الجبلية والمناطق الداخلية وان هناك عزوف عن الخروج من النزل بل ان السائح يفضّل مغادرة النزل في اتجاه المطار مباشرة وهو ما اثر على مداخيل ايد العاملة التي تعتمد على توفير خدمات للسياح اثناء تنقلهم خارج النزل مثل اصحاب السيارات السياحية واصحاب المطاعم ومحلات الصناعات التقليدية المتواجدة في المسالك التي يعبرها عادة السياح.
غير ان الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية محمد على العروي يؤكد ان "وزارة الداخلية تسهر على تامين المنتجعات السياحية من خلال خطة امنية دقيقة ومحكمة تشرف عليها كوادر امنية ذات خبرة عالية، مشيرا الى انه لم يتم تسجيل الى اعتداءات خطيرة او ذات طابع ارهابي في تونس."
ويقول مراد دمق وهو خبير سياحي وصاحب وكالة اسفار إن المعضلة الكبرى التي تواجه السياحة في تونس تتمثل في مشكلة الارهاب وعدم الاستقرار الامني، ويضيف دمق "في شتى دول العالم يوصف الارهاب بأنه العدو الأول للسياحة والسياح لان اي عمل ارهابي سيروج لفكرة عجز الدولة عن حماية الأجانب المتواجدين على ترابها للسياحة او للاستثمار وما يترتب عن ذلك من ضرب للاقتصاد الوطني برمته".
ويلفت دمق إلى أن العمليات الارهابية المتفرقة التي شهدها البلاد من الهجوم على السفارة الامريكية الي احداث الشعباني الى جريمتي اغتيال المعارضان محمد البراهمي وشكري بالعيد اثرت بشكل كبيرة على السياحة في تونس.
ويعتبر مراد دمق ان تعدد زيارات الدعاة الدينيين المشارقة الي المدن السياحية على غرار سوسة والحمامات والقيروان وجربة وقيامهم بتظاهرات دينية فيها يرفع خلالها علم تنظيم القاعدة وتطلق فيها شعارات معادية للغرب ساهم ايضا في الصعوبات التي يواجهها القطاع السياحي ايضا.
ويضيف دمق قائلا" هذه الزيارات تقدم صورة سلبية عن السياحة في تونس خاصة مع تغطية الاعلام الغربي لها بطريقة مثيرة تخيف السياح من القدوم الى تونس.
وكان وزير السياحة جمال قمرة قد اتصل في شهر جوان الفارط برئيس الحكومة على العريض وعبر له عن احتجاجه لتكرر زيارات دعاة مصريين لمدينة الحمامات وقيامهم بنشاطات دينية على شاطئها السياحي وقد تعهد علي العريض حينها باتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة حتى لا تتكرر مثل هذه العمليات.
مشاكل القطاع السياحي المرتبطة بالظروف الخارجية (استقرار امني ، استقرار سياسي ، ديون، ضرائب الخ) لا تحجب المشاكل قطاع السياحة في حد ذاته، اذ تقول "هيلين مود" وهي سائحة ايطالية التقينا بها في مدينة الحمامات انها زارت تونس سابق في سنة 2006 ولاحظت تراجع الخدمات المقدمة للسياح في النزل، مثل الاوساخ في الفنادق ونوعية الطعام الذي يقدم للسياح وتقلص الانشطة الترفيهية، وتضيف "مود" قائلة لو كانت اعلم ان الخدمات ستكون بهذا المستوى الضعيف لما قدمت الى تونس لقضاء العطلة.
راي "هيلين مود" يؤديه فتحي دمق الذي يقولان الخدمات السياحية ونوعية الفنادق شهدت تراجعا ملحوظا بعد الثورة غير انه فسر هذا التراجع بتقلص مداخيل الفنادق التي لم تعد لها الامكانيات المادية الازمة لتوفير خدمات جيدة.
عدم الاستقرار السياسي قلص الاستثمارات والضرائب عبء ثقيل
ويقول الخبير المالي معز الجودي انه بسبب غياب الاستقرار السياسي وعدم توفر وضوح الراية السياسية تقلصت الاستثمارات الا جنبية في السياحة بنسبة 30 بالمائة ويضيف قائلا" المستثمر يبحث دائما على الاستقرار السياسي والامني في الدول التي يريد ان يضع فيها امواله اذا غاب الاستقرار غابت الاستثمارات.
وكان وزير السياحة جمال قمرة حذر في ندوة صحفية عقدها في شهر ايلول الجاري من أن استمرار الأزمة السياسية التي تعصف بتونس منذ 25 جويلية الماضي وقال ان استمرارها يهدد ما تبقى من الموسم السياحي ، داعيا كافة الفرقاء السياسيين الى ضرورة انهاء خلافاتهم حتى يجنبوا القطاع السياحي المزيد من الصعوبات.
اما الكاتب العام الجامعة التونسية لوكالات الاسفار ظافر اللطيف فيعتبر ان مشكل المديونية هو اخطر المشاكل التي تعيق تطور قطاع السياحة في تونس. ويضيف ان هذ المشكل درسته الحكومات السابقة منذ سنة 2003 بالاعتماد على مكاتب دراسات دولية انتهت إلى اقتراحات وتوصيات عرضت على مجالس وزارية تمت الموافقة عليها ولكنها ظلت حبرا على ورق.
ويشير ظافر اللطيف الى أن ديون ارباب القطاع وبعد ان كانت في حدود 600 مليون دينار قبل الثورة ارتفع الرقم اليوم ليتجاوز الثلاثة آلاف مليون دينار الخمس فقط اصل الدين والباقي فوائض لفائدة البنوك.
ويعتبر ناجي الوكيل وهو صاحب فندق فيقول ان الحكومة عمدت الى إغراق كاهل القطاع بإقرار ضرائب أخرى بموجب قانون المالية لسنة 2013 لا يمكن تطبيق أغلبها عمليا على غرار الضريبة على الاقامة في الفنادق والترفيع في المعلوم الموظف على مستغلي المؤسسات السياحية والمطاعم المصنفة والترفيع في مبلغ المعلوم الموظف على كل مقعد بوسائل النقل السياحي، أضف إلى ذلك الترفيع في الأسعار بما في ذلك أسعار الكحول الى جانب ما يتحمله أصحاب الفنادق منذ السنة الفارطة من تداعيات الزيادة بنسب متراوحة بين 18 و20 بالمائة من المصاريف المختلفة وأهمها تكاليف الانارة وتكاليف المطبخ.
امل في نهوض السياحة من جديد
ويقول الاسعد النجار وهو استاذ في معهد حكومي لتكوين الاطارات السياحية ان السياحة في تونس بقيت سياحة تقليدية تعتمد على البحر والشمس ولا تبحث عن التجديد والابتكار، مطالبا المشرفين على القطاع وخاصة المهنيين "بإنجاز ثورة داخل السياحة التونسية، من خلال استنباط طرق جديدة للتنمية السياحية، والتركيز على تنويع المنتوج حتى يساهم القطاع في التنمية الجهوية، وعدم الاقتصار على السياحة الشاطئية دون غيرها.".
وتقول وزارة السياحة التونسية انها على وعي بالصعوبات والتحديات التي يواجهها القطاع بعد الثورة مؤكدة انها وضعت باستراتيجية متكامل للنهوض بهذا القطاع الحيوي وتمكينه من تجاوز الازمة والعودة للنسق الطبيعي.
وكان وزير السياحة جمال قمرة أعلن في آب الماضي ان وزارته أطلقت حملات ترويجية مركزة لاسترجاع السياح الذين غيّبتهم التغيرات السياسية التي مرت بها البلاد وأثرت في حركة السياحة وجعلت عدد السياح يتراجع بعد عام من الثورة بنحو 500 ألف سائح ( سنة 2011) ، كما كشف عن خطة لتطوير مختلف الوجهات السياحية في تونس، مبينا أنه تم فتح مكاتب سياحية في كل من جدة واسطنبول للترويج لتونس سياحيا.
وأكد قمرة حينها ان الحكومة وضعت مخططاً لتطوير أكثر من 1000 هكتار لأغراض الاستثمار السياحي الذي يبلغ اليوم في تونس 150 مليون يورو سنويا منها 15 إلى 20 % استثمارات خارجية. ورغم تراجع هذه الاستثمارات خلال العامين الماضيين بنسبة 50 % هناك توقعات بعودة قوية لحركة الاستثمار السياحي خلال العامين المقبلين.
ويقول منصور معلا وهو رجل اقتصاد تونسي "ان القطاعي السياحي في تونس وعلى الرغم من الصعوبات الكبيرة التي يعيشها منذ الثورة الا انه يبقى كقاع صلب وعريق وتبقى السياحة التونسية قادرة على الاقلاع مجددا واسترجاع نسقها الطبيعي متى توفر الاستقرار الامني والسياسي في البلاد.
ويضيف معلا ان الثورة بإمكانها ان تساهم في تطوير القطاع السياحي بفضلها أصبحت تونس معروفة عالميا، كبلد حر ومنتفض على الدكتاتورية، ومطالب بالحق في الديمقراطية والحرية مثل الشعوب المتقدمة التي تمثل السوق الرئيسية للسياحة التونسية، ولذلك لابد من تثمين هذه الصورة على الاقتصاد بكافة قطاعاته وخاصة السياحة".
التقرير أعده الكاتب على سبيل التدريب خلال دورة تدريبية نفذها معهد صحافة الحرب والسلام في شهر أيلول 2013 في تونس