تعليق: هل العراقيون مستعدون للديمقراطية؟
قد لا تكون ديمقراطية العراق الوليدة كاملة، لكنها يجب ان تمنح الوقت الكافي لكي تنمو وتنضج
تعليق: هل العراقيون مستعدون للديمقراطية؟
قد لا تكون ديمقراطية العراق الوليدة كاملة، لكنها يجب ان تمنح الوقت الكافي لكي تنمو وتنضج
لقد تعودنا، تحن العراقيين في المنافي على القول النمطي الذي دأبت على ترديده باستمرار وسائل الاعلام الغربية والعربية، اضافة الى السياسيين، بان شعب العراق ليس مهيئاً للديمفراطية بعد. فما هي الأسباب؟ يقولون ان العراق لم يحكم مطلقاً بنظام ديمقراطي عبر تاريخه كله، وان الشعب متحدر من أعراق وأديان وطوائف مختلفة. لذلك، وتستمر القصة في القول، فان العراقيين بحاجة دائمة الى قائد قوي بقبضة حديدية، مثل صدام حسين ليحافظ على وحدتهم. أعتقد انهم على خطأ.
لقد مرت خمسة قرون على الديمقراطية الغربية لكي تنضج. وقد بدأت بمصاعب جمة، ونمت بشكل تدرجي. ولكنها حتى اليوم ليست خالية من المشاكل. وكما قال "ونستون تشرشل" مرة "الحكومة الديمقراطية ليست كاملة .. ولكن حتى الآن، ليس ثمة حكومة أفضل من الحكومة الديمقراطية." لذلك، لماذا يصر بعض الناس على ان الديمقراطية الوليدة حديثاً في العراق لابد ان تكون كاملة منذ يومها الأول. او ان العراق غير مناسب للديمقراطية؟
ان الديمقراطية لابد ان تبدأ من مكان ما، ومن نقطة معينة. ومن هناك تبدأ بالنمو والتضوج. وهكذا كانت قد بدأت في الغرب. فلماذا اذن لابد على العراق ان يكون استثناءً؟
بعد عقود من الاستبداد والاضطهاد، لا يجب ان نتوقع ان ديمقراطية مثل ديمقراطية الغرب، ستولد في العراق يوم الثلاثين من كانون الثاني، وبعد هذا القول، وعلى الرغم من جميع المصاعب التي يواجهها العراقيون بسبب المتطرفين ، فان جميع استطلاعات الرأي العام تظهر ان الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي متحمسة الى الديمقراطية، وتتطلع للمرة الأولى الى حكومة منتخبة ديمقراطياً. لقد عان العراقيون بشدة من الأنظمة الدكتاتورية الطاغية، لذلك فانهم يستحقون حكومة أفضل، حالهم في ذلك حال بقية الأمم الديمقراطية.
ان هذه هي المرة الأولى التي يجرب فيها العراقيون مثل هذه الحملة الانتخابية الحرة. وحتى الآن، فهي نظيفة حيث لم تحاول أية جماعة سياسية ان تشوه سمعة منافسيها من الكيانات السياسية الأخرى. وحتى لو كان لدى احدى الكيانات شكوى ضد كيان آخر، فانه يطرح باسلوب حضاري. ان كيان "العراقية" بقيادة رئيس الوزراء د. أياد علاوي قد قدمت شكوى لدى اللجنة الانتخابية ضد قائمة "الائتلاف العراقي الموحد" لأن الأخير قد استخدم اسم آية الله العظمى السيستاني، الزعيم الديني للشيعة، باعتباره المتبني لقائمتهم ووضعوا صورته على ملصقاتهم الدعائية لكسب الشعبية على حساب الكيانات الأخرى.
ان مثل هذا الأمر غير مسبوق، ولم يحدث في العالم العربي لرئيس حكومة ان اتبع الطريق القانوني المناسب للتعامل مع أية مشكلة ضد أحد منافسيه. وفي العديد من الدول العربية لا يوجد سياسي يجرؤ على ازعاج او تحدي رئيس الوزراء. لكن هذا يحصل في العراق. أليست هذه هي الديمقراطية في التطبيق.
ان شعب العراق متحمس للانتخابات المقبلة، وأتباع صدام وحلفاؤهم من تنظيم القاعدة الأجانب هم فقط يحاولون عرقلة العملية الديمقراطية لأنهم لا يملكون أية فرصة لكسب مقعد واحد في الانتخابات. انهم يعرفون انهم مفلسون أخلاقياً وسياسياً وفكرياً، وان الأغلبية الساحقة من شعب العراق ترفضهم.
وكمثال على حماسة العراقيين للانتخابات المقبلة، نذكر هنا بعض الاقتباسات من أقوال أفراد من المجتمع التي ظهرت في تقرير كتبه أنتوني شديد في الواشنطن بوست بتاريخ 14/ كانون الثاني الجاري حيث قال أحد المواطنين "انها واحدة من أمنياتي ان أموت عند باب المركز الانتخابي." وقال آخر "أتمنى ان أكون شهيداً من أجل صندوق الاقتراع. ودون انتخابات سيكون هناك طغيان." وقال ثالث "الآن يشعر معظم الناس انهم يعيشون في ظلمة، وقد حان الوقت أمامنا لكي ننتقل الى النور."
ها نحن هنا اذن، وهذه هي آراء العراقيين. لذلك فانا متفائل ان الديمقراطية في العراق ستنجح. نعم، انها ليست بلا ثمن، لكنها تستحق دفعه.
*عبد الخالق حسين ـ كاتب عراقي مقيم في لندن