للسودان وجهان
وقعت الخرطوم اتفاقاً هاماً لحفظ السلام في اليوم التالي لبدء الهجوم الجوي على دارفور.
للسودان وجهان
وقعت الخرطوم اتفاقاً هاماً لحفظ السلام في اليوم التالي لبدء الهجوم الجوي على دارفور.
ومن الجدير ذكره أن النظام الأساسي للاتفاق يحل عدداً من المشاكل الخطيرة التي تواجهها هذه القوة الوليدة؛ التي لم تتمكن حتى الآن من إخماد العنف في مقاطعة غرب السودان التى مزقتها الحرب.
وسيتيح هذا الاتفاق الذي يأتي قبل مرور أكثر من شهر على تولي قوات الأمم المتحدة مهام حفظ السلام في دارفور، للقوة الهجين التي تتألف في معظمها من جنود من البلدان الإفريقية التحرك بحرية في البلاد والتواصل بالإضافة إلى إمكانية ضم عناصر غير إفريقية إلى صفوفها.
وقد أسقطت الحكومة السودانية بتوقيعها على هذا الاتفاق القيود التي كانت تقيد سابقاً هذه القوة، وزال تهديد القوات السودانية لأمن قوات حفظ السلام خاصة وأن الحكومة كانت قد هاجمت في أوائل كانون الثاني قافلة تابعة للأمم المتحدة في دارفور خلال محاولة هذه الأخيرة إيصال الإمدادات إلى مخيمات اللاجئين.
ولكن على الرغم من توقيع المسؤولين في الخرطوم علىالاتفاق وعقد المؤتمرات الصحفية للإشادة به، لايزال يفر ما يقدر باثني عشر ألفاً أو أكثر من اللاجئين من دارفور إلى تشاد المجاورة هرباً من الجولة الأخيرة في سلسلة إراقة الدماء.
وقد قصفت في الثامن من شباط الجاري، المروحيات السودانية الحربية والطائرات ذات الأجنحه الثابتة مدن سيربا وسيليا وأبو سوروج، مدعية أنها كانت تستهدف قوات المتمردين الناشطين في هذا الجزء من غرب دارفور. هذا وقد أفيد بأن هذه الضربات الجوية التي أدت إلى مقتل مئتين من المدنيين قد تمت على الرغم من الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على التحليقات العسكرية هناك، هذا الحظر الذي تتجاهله القوات المسلحة السودانية بشكل روتيني.
وتجدر الإشارة إلى أن تدفق الموجات الجديدة من اللاجئين إلى شرق تشاد لم يؤد إلا إلى تفاقم الوضع الإنساني هناك، لاسيما مع وجود أربعمائة ألف لاجئ مكومين أصلاً في هذه المخيمات البائسة.
وقالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في جنيف هيلين كوس للصحافيين: إن اللاجئين ادعوا أن رجالاً على خيول وجمال هاجموهم أيضاً وهذه إشارة واضحة إلى أنهم من عناصر ميليشيا الجنجويد المدعومة من قبل الحكومة السودانية.
وقد نفى متمردو دارفور في وقت لاحق وجود أي مقاتلين في المنطقة، الأمر الذي يؤكد على نطاق واسع أن الخرطوم تشن حرباً على المدنيين وليس على الميليشيات.
وقد تم اتهام الحكومة العربية في السودان بشكل واضح بارتكاب فظائع ضد المجتمعات الإفريقية في دارفور أثناء هذا الصراع الذي بدأ قبل خمس سنوات؛ والذي أسفر عن مقتل مائتي ألفاً وتشريد مليونين آخرين.
هذا وكانت المحكمة الجنائية الدولية أصدرت في العام الماضي في لاهاي في هولندا مذكرات توقيف ضد اثنين من الرعايا السودانيين ـ هما أحد الوزراء وزعيم الجنجويد - لارتكابهما جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، ولم يتم إلقاء القبض على أي منهما حتى الآن.
وقد جاءت الهجمات الأخيرة بعد أسبوع واحد فقط من هجوم المتمردين التشاديين المتمركزين في غرب السودان على العاصمة نجامينا، في محاولة انقلاب فاشلة على الرئيس إدريس ديبي.
ومن الجدير بالذكر أن السودان كان قد اتهم ديبي بدعم المتمردين في دارفور.
ومن جهة أخرى، دعت أحداث العنف الأخيرة الكثيرين إلى التساؤل عن الوجه الحقيقي للسودان وما إذا كان سيتم تنفيذ الاتفاق الذي وقع مؤخراً بشأن قوات حفظ السلام.
ويذهب الكثير من المراقبين، بمن فيهم بعض المقربين إلى الحكومة السودانية، إلى أن السلطات السودانية لم توقع على الاتفاق إلا تحت الضغط الشديد من المجتمع الدولي لتجنب مواجهة أخرى مع الأمم المتحدة.
هذا وصرح السيد ميني آركوا ميناوي ـ القائد السابق لمتمردي دارفور الذي يشغل حالياً منصب مستشار لحكومة الخرطوم ـ أن "التوقيع تم تحت ضغط المجتمع الدولي".
وقال في معرض إشارته إلى قوات الجيش السوداني :"لا أعتقد أن أي أحد يستطيع [الآن] إطلاق العنف ضد [بعثة الاتحاد الافريقي في دارفور] الـ UNAMID".
ومع ذلك، أعرب عن قلقه من إمكانية عدم عقد الاتفاق لأن الحكومة لا تحافظ على التزاماتها إلا عندما توضع تحت الضغط.
كما أدان ميناوي هجوم الجيش الأخير في دارفور، ووصفه بأنه "مجزرة رهيبة" ودعا إلى إجراء تحقيق دولي بهذا الشأن.
ويشارك السيد آتيم غرانغ ـ نائب رئيس الجمعية الوطنية في السودان، وعضو قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تسيطرعلى جنوب السودان شبه المستقل، السيد ميناوي في مشاعره إزاء هذه القضية.
وقال معبراً عن ذلك:"لقد وقعت الحكومة لتجنب مواجهات مع المجتمع الدولي"، وأضاف أنها قامت بذلك بناء على إلحاح ممثلي جنوب السودان.
وقد عزا السيد محمد يوسف وزير الدولة للعمل توقيع الحكومة على الاتفاق إلى الرغبة في تحسين التعاون بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحزب المؤتمر الوطني الحاكم،.NCP
قائلاً:"إن (NCP ) أصبح اكثر واقعية في التعامل مع الحقائق والوقائع الداخلية والخارجية". وأضاف :"إن الظروف السياسية فى السودان ستجبر الحكومة على تنفيذ الاتفاق."
هذا وبينما يظن البعض أن الاتفاق إشارة إلى التقدم في مسيرة إحلال السلام، يعتقد آخرون أن الهجوم الذي حدث في دارفور يعري الخرطوم ويظهرها على حقيقتها.
وقالت السيدة جورجيت غانيون المدير الإفريقي في منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان حول العالم:"إن الحكومة السودانية تظهر من جديد تجاهلها التام لسلامة المدنيين".
وصرحت بأن القوات الحكومية والميليشيا المتحالفة قامت بمهاجمة القرى بشكل عشوائي ودون أي تمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين المتمردين في انتهاك سافر للقانون الإنساني الدولي.
وحسب ما جاء في قول السيدة غانيون ستكون هذه الهجمات الواسعة النطاق على القرى بمثابة كارثة بالنسبة للمدنيين في دارفور سيما وأنهم لا يتمتعون بأية حماية.
وأضافت :"إن الشرطة التابعة للحكومة السودانية ذاتها، انسحبت في شهر كانون الأول بسبب القتال وبكلمة بسيطة لا تملك القوة التابعة للأمم المتحدة القدرة على حمايتهم ".
كما أشارت إلى أن المنظمات الإنسانية لم تتمكن من الوصول إلى المنطقة خلال الأشهر الماضية، مما أسفر عن حرمان نحو مائة وستين ألفاً من المدنيين في شمال غرب دارفور من الحصول على المساعدات الإنسانيه الأساسية.
ومن جهة أخرى أعرب السيد مايكل سويغر ـ المحلل السياسي في فريق العمل من أجل إفريقيا من مقره في واشنطن ـ عن شكوكه إزاء استعداد السودان الكامل للتعاون فيما يتعلق بأزمة دارفور.
كما نوه إلى أن المسؤولية الكاملة عن تمويل وتجهيز قوة لحفظ السلام في دارفور، أصبحت تقع الآن على عاتق المجتمع الدولي بدل الحكومة السودانية، خاصة وأن ذلك كان يتم بشكل بطيئ حتى الآن. وأشار إلى أنه على الرغم من أن بعض طائرات الهليكوبتر التي كان الإقليم بحاجة ماسة إليها قد قدمتها بنغلاديش وإثيوبيا المجاورة فذلك ليس إلا بداية لتجهيز قوة تتألف من تسعة آلاف من المفترض أن تصل إلى ستة وعشرين ألفاً وأن تكون قوية.
كما صرح أنه في حين قد لا تتمكن الولايات المتحدة من توفير القوات اللازمة، فإنها قد تمارس الضغط الدبلوماسي ليس على الحكومة السودانية فقط بل وعلى مؤيديها أيضاً كالصين مثلاً. وبالمثل فإن من الضروري أن تشارك مختلف الجماعات المتمردة في دارفور ـ التي لم تتمكن من توحيد صفوفها أو المشاركة فى محادثات سلام مع السودان ـ في العملية.
وقال السيد سويغرت:"أعتقد أنا شهدنا من السودان في الماضي ما يثبت أنها على استعداد للتراجع عن اتفاقاتها إلا في حال وجود ضغوط دولية تمنهعا من ذلك".
ولا بد أن تقود الولايات المتحدة والدول الأوروبية هذه الضغوط.
"[وإلا] سنشهد المزيد من العنف في دارفور." أضاف مؤكداً.
أحمد الشيخ، صحفي، الخرطوم.
بيتر ايشستيدت، محرر، إفريقيا، معهد صحافة الحرب والسلم.