الناجي من الاختطاف يسترجع محنته
المتمردون يتراجعون في آخر لحظة عن قطع رأسه، لكن التجربة المريرة التي عاش ليحكيها، دمرته نفسياً
الناجي من الاختطاف يسترجع محنته
المتمردون يتراجعون في آخر لحظة عن قطع رأسه، لكن التجربة المريرة التي عاش ليحكيها، دمرته نفسياً
هيأ سردار حمه علي رسول نفسه للموت بتلاوة سورة الفاتحة من القرآن الكريم.
وهيأ خاطفوه السكين لقطع رأسه، وكانوا في الوقت نفسه يتناقشون فيما اذا سيعطون سردار حبوباً لتخفبف الألم. ولكن المتمرد الذي يحمل السكين حسم النقاش بقوله "الأمر بسيط جداً، لن يستغرق سوى دقائق قليلة."
ودفع أحد الخاطفين سردار الى الأرض. وعندما أوشكت السكين ان تقطع عنقه، أمر قائد المجموعة بقوله فجأة "توقف".
وعندما رفع سردار رأسه، قال الرجل "لا أعرف لماذا، لكني لاأريد ان أقطع رأسك. سأرسلك الى مكان آخر."
ان سردار هو واحد من الكثير من العراقيين ـ الرقم الدقيق غير معروف ـ الذين اختطفهم المتمردون حلال السنتين الماضيتين، حيث كان القتل نهاية معظمهم. وكان تركيز وسائل الاعلام العالمية بشكل رئيس على قضايا الرهائن الأجانب، لكن عدداً من العراقيين تعرضوا للاختطاف أيضاً، على أيدي عصابات مدفوعة بعقيدة متطرفة او بكل بساطة من أجل فدية مالية.
وفي حالة سردار، فقد كان الرجال الذين اختطفوه من المقاتلين الاسلاميين الذين استهدفوه لأنه يعمل لمنظمة أوربية غير حكومية مختصة بازالة المواد المتفجرة من المدارس والبنايات العامة.
وقد اختطف سردار في تشرين الأول الماضي بينما كان يسير لوحده في منطقة البياع في بغداد. تقدم منه ثلاثة رجال ملثمين وعاجله أحدهم بضربة على رأسه بمقبض المسدس. وقال سردار انه حاول ان ينتزع المسدس من يد الرجل، لكن أحد الآخرين أطلق عليه الرصاص فأصابه في فخذه.
ثم سرعان ما توقفت سيارة بالقرب منهم فحمل الرجال سردار وألقوا به في السيارة. وأخذوا يطلقون النار خارج السيارة لردع أي شخص قد يأتي لنجدته.
وقال سردار "كان هناك أربعة رجال شرطة يقفون بالقرب منا، مقابل مديرية التسجيل العقاري. لكنهم لم يفعلوا أي شيء لانقاذي."
وفتش الرجال جيوب سردار وعثروا على عدة بطاقات هوية صادرة من المنظمة التي يعمل لها. وكان العلم الأمريكي مطبوعاً على أحدى الهويات وذلك لأن منظمته مدعومة من مقاول امريكي.
وأشار أحد المتمردين للعلم واتهم سردار بانه يتجسس لأمريكا واسرائيل. وطلبوا منه ان يخبرهم أسماء المقاولين الذين يعملون مع الجيش الأمريكي، لكن سردار أخبرهم انه لا يعرف أي شيء.
ووضعوا العصابة على عينيه وأخذوه الى الى بناية في منطقة بعيدة. ولم يكن هناك أصوات للطائرات او السيارات، الصمت مطبق فقط.
في اليوم الأول، جاء ثلاثة متمردين الى غرفة سردار لكي يضمدوا جروحه ويحققون معه. وقال سردار "كانوا قساة جداً في التحقيق الأول، وصفعوني على وجهي."
وفي تلك الليلة، عاد اثنان من المحققين مع قطعة ورق تحمل بعض المعلومات عن سردار. وقالا "اذا أجبت على الأسئلة بشكل صحيح فاننا سنطلق سراحك."
وتابعوا ليسألوه عن اسمه، عنوانه وموقع منظمته ـ وهي أسئلة أجاب عليها بصدق.
ثم جلب المتمردان رجلين آخرين قاما بتوثيقهما وتعليقهما. وقام المتمردون بضرب الرجلين بخرطوم المياه (الصوندة)، متهمين اياهما بقتل امام مسجد وبالانتماء الى ميليشيا شيعية.
وبعد يومين، أخبر المتمردون سردار انهم يتوقعون حضور قائدهم. وعندما وصل القائد، جرى استجواب سردار مرة أخرى، فاعترض على ذلك قائلاً "لقد قلتم انكم ستطلقون سراحي اليوم."
لكن قائد المتمردين أجاب "لقد أصدرت فتوى بوجوب قطع رأسك." ثم غطى وجه سردار بالمنشفة وأخذه الى غرفة مجاورة.
وقال سردار "عندما رفعوا المنشفة استطعت رؤية خمسة أشخاص. كانوا يقفون أمام لافتة سوداء وكان أحدهم يحمل سكيناُ كبيرة."
أجلسوه الى منضدة، في مواجهة القائد ومصور. وطلب سردار من الرجال ان يطلقوا عليه النار بدلاً من ذبحه، من أجل عائلته.
وليس لدى سردار أية فكرة تفسر السبب الذي جعل قائد المتمردين يقرر الابقاء على حياته ذلك اليوم.
وشبه الوضع بالوقت الذي سبق وان اعتقل فيه وعذب على أيدي المخابرات العراقية عام 1993 ، "لا اعرف لماذا، ولكن في مثل هذه الحالات اتحدى الخوف والتعذيب."
واقتاد المتمردون سردار الى مكان آخر، وعرضوا عليه ان يدفع مبلغ (50) ألف دولار أمريكي مقابل اطلاق سراحه. وقال سردار انه ساوم الرجال وتمكن أخيراً من تقليص المبلغ الى (20) ألف دولار الذي دفعته عائلته أخيراً.
وبعد اطلاق سراحه، تغيرت حياة سردار رأساً على عقب.
وقد وعدته المنظمة ان تنقله الى أربيل، حيث المناخ أكثر أماناً في المنطقة الشمالية الخاضعة للأكراد، إلا ان هذا لم يتحقق بعد.
ويقول ان الخطف قد استلب منه عمله وصحته، "منذ ذلك الوقت، لم أتسلم أي راتب ولم يجر تعويضي عن الضرر الذي لحق بي."
انه متلهف على العودة الى عمله على الرغم من اعتراضات عائلته.
ولكن سردار يعترف ان الخطف قد ترك في نفسه جروحاً عميقة. "منذ ان اختطفت وأنا أشعر بالحزن والوحدة والعزلة."
*تالار نادر ـ صحفية تحت التدريب في معهد صحافة الحرب والسلام في السليمانية