بغداد... هل تواجه تهديدا طائفيا متجددا؟
تثير التفجيرات الأخيرة مخاوفا من عودة الاقتتال الطائفي واراقة الدماء التي مزقت العاصمة لفترة من الزمن.
بغداد... هل تواجه تهديدا طائفيا متجددا؟
تثير التفجيرات الأخيرة مخاوفا من عودة الاقتتال الطائفي واراقة الدماء التي مزقت العاصمة لفترة من الزمن.
ورغم ان المواطنين الشيعة لم يكونوا الوحيدين المستهدفين في سلسلة الانفجارات الاخيرة التي شهدتها بغداد، الا ان السيارات المفخخة التي يقودها انتحاريون تسببت بمقتل المئات من المدنيين في المناطق الشيعية منذ شهر نيسان، تاركة المواطنيين في حالة من القلق من انهيار الأمن في المدينة.
ففي الاسبوع الماضي، انفجرت قنبلة في مقهى في احد الاحياء ذات الغالبية الشيعية، حيث كان زبائن المقهى يشاهدون مباراة لكرة القدم، مما تسبب الانفجار بمقتل تسعة اشخاص.
وفي شهر نيسان، تسبب انفجاران بمقتل 60 شخصا بالقرب من ضريح الإمام موسى الكاظم في منطقة الكاظمية، وقد وقع الانفجار اثناء تأدية صلاة الجمعة، وكان ضمن ضحاياه العديد من الزوار الايرانيين.
ومع ذلك، فلم تكن المناطق الشيعية هي الوحيدة المستهدفة في هذه الانفجارات. فقد امتدت يد العنف خلال الاسابيع الاخيرة لتطال منطقة الدورة، وهي ذات الغالبية السنية، ويقطنها بعض السكان الشيعة والمسيحيين.
وهو امر قاد البعض الى التخوف من كون التفجيرات الموجهة بصورة رئيسية ضد الاحياء الشيعية قد تكون مؤشرا على ازدياد وتيرة العنف الطائفي والسياسي، و تشكل تهديدا للاستقرار في العراق حتى بعد انخفاض معدلات قتل المدنيين في شهر ايار.
علق محمد علي، احد تجار الصيرفة في العاصمة، بالقول "انه لواقع مخيف بحق... ففي الشارع هناك همسات عن احتمال ازدياد العنف الطائفي وسيطرة الاحزاب السياسية الطائفية على الساحة".
ويعتقد عضو كتلة الائتلاف العراقي الموحد الشيعية في البرلمان علي العلاق، بان المناطق الشيعية تُستهدف "لإشعال الحرب الطائفية".
كما يعبر الكثير من ابناء المحافظة عن قلقهم وخشتيهم من ان التاريخ قد يعيد نفسه، خصوصا وان تفجير ضريح الامامين العسكريين في سامراء في شهر شباط من عام 2006، كان قد اشعل فتيل الحرب الطائفية في العاصمة، والتي ادت الى انقسامات طويلة الأمد وسط السكان البغداديين.
الكاتب والمحلل السياسي عبد المنعم الأعسم يقول معلقا "لقد اكتوى العراقيون بحرب الطائفية، فهم يخشون عودة الطائفية، خصوصا بعد الفضائع التي ارتكبت باسمها".
فمنذ بدء موجة الهجمات، ازدادت نقاط التفتيش في المناطق الشيعية وحولها، وخصوصا امام الجوامع. اضافة الى تعزيز بعض الاجراءات الاحتياطية الاخرى بعض وقوع الحادث، مثل حضر ركن السيارات في الشوارع، والتفتيش الدقيق للباصات.
وفي ذات السياق، لم تعلق الحكومة- ذات الاغلبية الشيعية- والاحزاب الشيعية عن مسألة العنف كثيرا، بالرغم من ان مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي قد اعلن مؤخرا بانه سيمنع رجالات الدين من إذكاء نار الطائفية، الا انه لم يعط اية تفاصيل عن اية خطط قادمة للقيام بذلك.
وفي وقت لم تعلن اية جهة عن مسؤؤليتها عن التفجيرات الاخيرة، صرح مصدر في مركز عمليات بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، بان القوات العسكرية تعتقد بان القاعدة وبعض الاصوليين السنة الاخرين هم المسؤؤلين عن ارتكاب تلك التفجيرات.
واشار المصدر بانهم علموا من خلال استخباراتهم ان هناك شاحنات مفخخة استخدمت في هذه الهجمات دخلت الى المناطق الشيعية عبر منطقة الرضوانية، وهي منطقة تقع على بعد عدة كيلومترات جنوبي غربي بغداد، وتعتبر احد معاقل المليشيات السنية.
المصدر الامني علق بالقول بان القوات الامنية تعتقد ان السيارات المحملة بالمتفجرات مازالت تتحرك بحرية في العاصمة.
كما ابدى النائب العلاق الشيء ذاته لاعتقاده بان القاعدة والبعثيين هم المسؤولون عن هذه التصعيدات.
وفي السياق ذاته، تكهن البعض بان تصعيد العنف قد لا يكون نتيجة لكراهية طائفية صرفة بقدر ما يكون محاولة للتاثير على نتائج الانتخابات البرلمانية المقررة في كانون الثاني من عام 2010.
المراقبون يشيرون الى جو سياسي متوتر ومحتدم يسود البلاد، بوجود شكاوى من الاطراف السنية مفادها ان الحكومة الشيعية لا تعطي الاولوية لقضايا السنة، وبان جهود المصالحة السنية- الشيعية قد توقفت.
الشيخ حاتم السلمان، وهو احد شيوخ العشائر، ومن قيادات مجلس الصحوة الذي تقوده جهات سنية، يعتقد ان هناك جماعات محددة، لم يسميها، تهدف الى الضغط على الحكومة لايقاف عملية المصالحة وان هذه الجماعات هي المسوؤلة عن التفجيرات التي اجتاحت البلاد.
وهو يعلق بالقول "من غير المحتمل ان تكون القاعدة او اى جماعة سنية مسلحة مسوؤلة عن هذه الهجمات".
واضاف السلمان في اشارة الى هجوم وقع على مدينة الصدر ذات المساحة الواسعة والغالبية الشيعية "من الصعب على القاعدة ان تفجر ثلاث سيارات في نفس الوقت وفي نفس المكان خصوصا اذا علمنا بانها لا تمتلك قاعدة في مدينة الصدر".
ومهما تكن الجهة المسؤولة عن اعمال العنف تلك، فان تاثير الحروب الطائفية التي شهدها العراق مايزال مستمرا ومؤثرا على سكان العاصمة بغداد.
فعندما وقع انفجار بالقرب من مرقد الامام الكاظم في منطقة الكاظمية وهي من الاحياء ذات الغالبية الشيعية، كان احمد عثمان، برفقة والده في مستشفى الكاظمية التعليمي.
احمد، وهو سني يملك متجرا، يقول بانه انتابته الخشية وهو يشاهد توافد الجثث الى المستشفى، ويعلق بالقول "أتصلت باحد اصدقائي الشيعة على الفور، وطلبت منه الحضور واخراجنا بسرعة لانني كنت خائفا من ان نقتل انا ووالدي اذا ماحصل رد فعل من قبل الشيعة ازاء التفجير".
لكن، جاسم المندلاوي، وهو امام وخطيب جامع السجاد في منطقة الشرطة الرابعة، التي تعرضت لاكثر من تفجير خلال السنوات الماضية، يقول بان الشيعة لن يقوموا بالانتقام اثناء التفجيرات التي تقع في مناطقهم.
المندلاوي وهو من الموالين لرجل الدين مقتدى الصدر، وصف العنف بانه "لا شىء سوى لعبة سياسية ما بين الاحزاب والمرشحين للانتخابات القادمة".
وقد تكهن بان الاصوليين السنة والمليشيات الشيعية قد تكون من المشاركين في هذه الهجمات. مضيفا بان رجال الدين من الشيعة "لا يؤديون اتخاذ اى رد فعل تجاه هذه اللعبة السياسية ولا يريدون ان ينجروا الى فخ الصراع الطائفي مرة اخرى".
ودعا المندلاوي مؤيديه الى عدم الانخداع بهذه الافعال على حد وصفه، مشددا "ان الاعمال الارهابية يجب ان تواجه من قبل الحكومة المنتخبة وليس من قبلنا".
عماد الشرع / متدرب في معهد صحافة الحرب والسلام وصحفي في بغداد.