القادة يوقعون الدستور الجديد
عندما ينتقد زعيم علماء الشيعة الوثيقة واصفاً اياها بالعائق, فان هذا يعني ان علامات الشك قد ظهرت فعلاً
القادة يوقعون الدستور الجديد
عندما ينتقد زعيم علماء الشيعة الوثيقة واصفاً اياها بالعائق, فان هذا يعني ان علامات الشك قد ظهرت فعلاً
ما ان وقع أعضاء مجلس الحكم دستور البلاد المؤقت يوم الاثنين, حتى انتهت الفوضى المؤقتة التي عانت منها حكومة العراق. لكن الانتقاد السريع للوثيقة الذي اطلقه عالم الدين الكبير في البلاد يشير الى ان عملية التنفيد لن تكون سهلة.
لقد تتابع ظهور أعضاء مجلس الحكم البالغ عددهم ( 25 ), او نوابهم الذين يمثلونهم في بعض الحالات, على مسرح مركز بغداد للمؤتمرات الدولية لوضع اسمائهم على الوثيقة.
وكان أعضاء المجلس يتبادلون الابتسامات ويهنيء بعضهم البعض لنجاحهم أخيراً في التوصل الى الاتفاق على الدستور, حتى انهم تبادلوا الملاحظات المرحة وهم يصطفون في طابور لتوقيع الوثيقة التاريخية.
وبالكاد جف حبر التواقيع, عندما صرح آية الله العظمى سيد علي الحسيني السيستاني بان تحفظاته على الوثيقة ماتزال كما هي.
وجاء في الفتوى التي أصدرها السيستاني ونشرت على موقعه الألكتروني "ان أي قانون يعد للفترة الانتقالية لن يحظى بالشرعية الى ان يتبناه مجلس وطني منتخب".
وقال "اضافة الى ذلك فان هذا القانون يضع عراقيل على طريق الوصول الى دستور دائم للبلاد يحافظ على وحدتها ويؤمن حقوق أبناء الطوائف والأصول العرقية جميعهم".
ومن خلال هذه الملاحظة, كان السيستاني يشير الى مادة في الوثيقة تمنح بشكل فعال الكورد الذين يشكلون مع السنة العرب ما نسبته ( 30 ) الى ( 40 ) بالمائة من مجموع السكان, صلاحية نقض الدستور الدائم عندما يطرح على الاستفتاء في أواخر العام المقبل. ويعتقد ان الشيعة يشكلون نسبة ( 60 ) بالمائة من مجموع سكان العراق البالغ ( 25 ) مليون نسمة.
وفي أقل الاحتمالات, فان ملاحظات السيستاني هذه ستجعل من المرجح ان يستمر النقاش حول هذه الوثيقة بالغليان.
ان هذه الوثيقة التي تحمل عنوان "قانون ادارة دولة العراق للفترة الانتقالية" تحدد طريقة حكم العراق الى ان تتم المصادقة على دستور دائم من المفترض نظرياً ان تجري في موعد لايتجاوز شهر تشرين الأول / 2005.
وكان من المقرر ان يجري توقيع الوثيقة في الأسبوع الماضي, لكن خمسة أعضاء شيعة من مجلس الحكم رفضوا التوقيع في الخامس من آذار على الرغم من موافقتهم المسبقة للقيام بذلك. وذكر الخمسة انهم تصرفوا على وفق توصية من السيستاني.
وقالوا ان قلقهم الرئيس كان بسبب وجود مادة في الدستور تسمح لأي ثلاث من محافظات العراق الثمانية عشرة بنقض تبني الدستور الدائم, ولايضاح ذلك قال حامد البياتي, من المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق "ان سكان بعض هذه المحافظات قد يبلغ ( 400 ) أو ( 500 ) ألف نسمة, ولا يمكننا ان نقبل رفض مثل هذا العدد من الناس لدستور جرى وضعه من أجل ( 25 ) مليون عراقي".
أما بالنسبة للكورد والسنة
العرب, من جانب آخر, فان هذه المادة تعد بمثابة الضمان الأساسي للتأكد من ان الشيعة لن يستطيعوا استخدام قوتهم كأغلبية سياسية في البلاد لدعم دستور يمكن ان يعكس وجهة نظرهم تجاه الاسلام او بطريقة أخرى يخفقون في تأمين حقوق المجموعات الباقية.
وعلى الرغم من ان الشيعة الخمسة قد عادوا الآن من جديد للاصطفاف مع الآخرين, فان المادة موضع الخلاف قد بقيت دون تغيير.
واجابة على سؤال طرحته وكالة الأنباء الفرنسية عن سبب موافقة الشيعة على الوثيقة كما هي, قال حاجم الحسني, ممثل عضو مجلس الحكم محسن عبد الحميد وهو سني من الحزب الاسلامي العراقي "لقد أدركوا ان ليس أمامهم من خيار آخر سوى القبول بهذا الأمر".
إلا ان صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية نقلت عن موفق الربيعي, العضو المستقل في مجلس الحكم قوله ان السيتاني "لا يرغب في اثارة أزمة".
وقال احد الأعضاء الخمسة المنشقين, ان قلق السيستاني لم يكن كبيراً بسبب احتمال قيام الكورد باستخدام النقض, وانما كان بسبب احتمال قيام المتطرفين من الشيعة بمحاولة تعبئة التأييد لهم في ثلاث محافظات باتجاه تبني حكم ديني على الطريقة الايرانية.
وعلى الرغم من الاجماع المطلق الذي اقترن بتوقيع الدستور, فان عنصراً من الخلاف ظل كامناً تحت السطح حتى قبل ان يخرج السيستاني بانتقاداته.
وكان عضو المجلس ابراهيم الجعفري قد قرأ بياناً نيابة عن ( 12 ) عضواً شيعياً من مجموع ( 13 ) عضواً في المجلس, اعلنوا فيه انهم قد وقعوا الوثيقة دون الاصرار على اجراء تغييرات فيها من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية, وفي اشارة اوضح على تحفظات الشيعة على القانون الجديد فان عبد العزيز الحكيم العضو الشيعي البارز ورئيس المجلس ائلعلى للثورة الاسلامية في العراق لم يحضر حفل التوقيع, وانما أرسل بدلاً عنه مندوبه الى المجلس. ولكن العضو الشيعي محمد بحر العلوم كان أكثر تساهلاً, وقال عن الوثيقة انها تعكس مبدأ التوافق بين مكونات المجتمع العراقي بأكملها.
وعبر الزعيم الكوردي مسعود البرزاني عن ارتياحه العميق في نهاية المأزق قائلاً "هذه هي المرة الأولى التي نشعر فيها نحن الكورد باننا مواطنون في العراق".
كما عبر العديد من العراقيين في الشوارع عن الرضا لتوقيع الدستور, على الرغم من تحفظاتهم على الفيدرالية ودور الدين.
وقال المهندس الاستشاري محمد اشكارة البالغ من العمر ( 55 ) سنة "اليوم , هو الميلاد الحقيقي لشعب العراق, لأننا نحصل على حقوقنا للمرة الأولى". وتابع قائلاً "ان المادة الوحيدة التي كنا نسمع عنها في الدستور لأكثر من ثلاثين سنة هي المادة التي تمنح الرئيس السلطة المطلقة".
أما رجل الشرطة عمار عبد الحسين البالغ من العمر ( 27 ) سنة فقد قال بحماس "ليبارك الله أعمالهم, لقد جعلوني أفخر بهم, وادهشونا بقرار يخدم شعب العراق والغالبية العظمى للشيعة".
وقال العامل باجور يومية فاضل سميروعمره ( 27 ) سنة "نحن نحتفل اليوم لأننا أنجزنا دستوراً يضع القانون فوق الجميع". وكان سمير مسروراً على الرغم من القلق الذي يساوره جراء صياغة لغة الوثيقة التي جعلت من الاسلام كأحد مصادر التشريع فقط, وقال "كنت أفضل ان يكون المصدر الرئيس للتشريع".
وبالنسبة للبعض فقفد كان الأعضاء الشيعة الخمسة الذين أخروا التوقيع, أبطالاً اتخذوا موقفاً من أجل الحقوق السياسية للغالبية الشيعية. وعبر عن ذلك المحامي كاظم طاهر البالغ (35 ) سنة من سكنة منطقة البياع بقوله "شعرت ان الأعضاء الشيعة في مجلس الحكم كانوا يتصرفون من أجل مصلحة الشيعة".
وقال طاهر من الضروري ان يضمن الدستور تسليم منصب رئيس الوزراء الى شخصية شيعية, واذا ما كان الرئيس سنياً فان أحد نائبيه في الأقل يجب ان يكون شيعياً".
وعلى أية حال فقد ساور البعض القلق من قوة السيستاني, وقدرته على عرقلة اتفاق كان قد تم التوصل اليه فعلاً.
ويعتقد الشيخ مظفر هادي القيسي, إمام جامع خديجة الكبرى السني في بغداد, ان نفوذ الشيعة "سبب الكثير من الأخطاء التي ستقحم داخل الدستور. و في ضوء هذا لا يمكنك ان تسمح لأحد المراجع الدينية او طائفة دينية واحدة ان تستغل الدستور. لذلك يجب ان نتشاور على نطاق واسع, وإلا فاننا سنقع في أخطاء جديدة".
صفاء رسن, وسام الجاف وعلي الناجي ـ صحفيون متدربون في معهد صحافة الحرب والسلام ـ بغداد