الانسحاب الأمريكي: الإختبار الأهم أمام قوات الأمن العراقية
يعتقد البعض إن الجماعات المتمردة من السُنة والشيعة وكذلك البعثيين قد تستغل الانسحاب للتسبب في فوضى.
الانسحاب الأمريكي: الإختبار الأهم أمام قوات الأمن العراقية
يعتقد البعض إن الجماعات المتمردة من السُنة والشيعة وكذلك البعثيين قد تستغل الانسحاب للتسبب في فوضى.
ومن المقرر وفق جدولة الانسحاب، أن تترك القطعات الأمريكية المدن العراقية في الثلاثين من حزيران، مانحة بذلك القوات العراقية السلطة الكاملة على المدن للمرة الأولى منذ العام 2003.
أعلن ناطق باسم الحكومة العراقية أوائل الشهر الماضي بان الانسحاب سيتم حسب الجدول المحدد، وهو بذلك قطع دابر التكهنات التي تتوقع ان يطلب العراق من الولايات المتحدة تمديد فترة انسحابها نظرا للتصعيد الامني، عقب تفجير عدد من السيارات المفخخة خلال الاسابيع الثمانية الماضية. و قد أفاد مسؤولون عسكرييون أميركيون بانهم سيلتزمون بالاتفاق، والذي ينص ايضا على انسحاب القوات الاميركية بشكل كامل بحلول نهاية عام 2011.
كما وصف المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية عبد الكريم خلف، الانسحاب بانه "اختبار يبين للناس قدرات ومقدرات قواتنا الامنية". واضاف "بمساندة العراقيين، سنتمكن من اجتياز الاختبار... فنحن نثق بقواتنا الامنية وبقدراتهم".
لكن، في الوقت الذي تؤكد بغداد بانها قادرة على مسك زمام الأمور الامنية، يقول بعض الخبراء المحليين بان المتمردين السنة والمليشيات الشيعية قد تشكل تهديدا حقيقيا للقوات الامنية العراقية ولحكومة رئيس الوزاراء نوري المالكي.
ويقول محللون بان من المتوقع أن تكون المليشيات الشيعية، وابرزها جيش المهدي بقيادة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، والجماعات السنية المتطرفة، اكثر المصادر المسببة لزعزعة الاستقرار.
من ناحية أخرى، يتوافد مقاتلون اجانب الى العراق مرة اخرى من سوريا حسب ما افادته تقارير صدرت بهذا الخصوص، و هناك مخاوف ايضا من ان تتسلل المليشيات الى القوات الامنية وتعمل على اختراقها.
ويحذر محمد كامل، وهو ضابط سابق رفيع المستوى في الجيش العراقي، من ان تتسبب المليشيات العراقية والقوات الأجنبية بالمشاكل لعدة سنين قادمة.
ويضيف "نتوقع أن تأتي المشاكل من مجموعتين، هما مجالس صحوة السنية، ومليشيا جيش المهدي، والذين قد يعملون على إعادة تنظيم مقاتليهم تحت مسميات مختلفة" لافتا بان الحكومة "ستواجه تحدي اقناع هذه المجاميع بعدم حمل السلاح".
فبالنسبة لقوات الصحوة، وهي المسؤولة عن حفظ الامن في المناطق السنية الكبرى، فهم مناطون بلعب دور مهم لمواجهة القاعدة. بعد ان كانوا تحت رعاية الجيش الاميركي، تم نقلهم الى امرة الجيش العراقي في العام الماضي. في وقت وعدت الحكومة العراقية باستمرار دفع رواتبهم وايجاد عمل لهم تدريجيا في المجال الامني والقطاع العام.
الا ان عملية الدمج المشار اليها لم تتم بسلاسة. يعتبر المقاتلون السنة هدفا رئيسيا للمتمردين الذين يعتبرونهم خونة، بالاضافة الى نظرة الشك تجاههم من قبل المسؤولين في الحكومة الذين غالبا مايشككون بولائهم.
علاوة على ذلك، فقد دخل هؤلاء في سجالات كثيرة مع حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي حول اشياء كثيرة، ابتداء من اعتقالات عناصرهم، والذين تم اعتقال البعض منهم بتهم الإرهاب، وإنتهاء بدفع رواتبهم المتاخرة لخدماتهم.
البعض يعرب عن قلقه بان عناصر مجالس الصحوة المحبطين (من الحكومة) قد يختارون العودة الى صفوف التمرد.
كما تصاعدت التوترات السياسية بين الحكومة العراقية والعناصر الموالية للصدر. حيث فقد جيش المهدي، وهو الجناح العسكري للتيار الصدري، في العام الماضي السيطرة على مناطق عديدة من بغداد والبصرة بعد العمليات الكبرى التي شنت ضده من قبل القوات العسكرية العراقية.
السياسيون الموالون للصدر وعناصر المليشيات التابعة له يتهمون المالكي بتبني سياسيات دكتاتورية واستخدام قوات الأمن العراقي لإضطهاد مناوئيه السياسيين.
ابو محمد الناجي، احد القادة في جيش المهدي في مدينة الصدر، قال لمعهد صحافة الحرب والسلام بان "قوات جيش المهدي لا تخطط لمهاجمة الحكومة وقواتها الامنية بعد الانسحاب الاميركي". الا انه لم يستبعد استخدام العنف فيما لو تعرضت الحكومة لهم، واصفا الجيش العراقي بـ"العدو".
واضاف الناجي بحدة "لن نسكت اذا ماحاولت الحكومة استهدافنا مرة اخرى كما حدث في بغداد والبصرة".
وقد طلبت وزارة الداخلية 62000 عنصر امني اضافي لتعزيز القطاع الامني، كما ذكر الناطق باسم الوزارة عبد الكريم خلف، الا ان التمويل يشكل مشكلة في ذلك، نظرا لتقلص عائدات النفط العراقية واستقطاعات الميزانية، في ظل الازمة المالية العالمية.
الا ان خلف اشار بان القوات الامنية "تمتللك خططا لتكون قادرة تماما كالقوات الاميركية او ربما افضل منها".
ويعتقد المحلل السياسي محمد عجاج، بان الامن "سيكون اكبر تحدي في الاشهر الستة القادمة، خصوصا ان انتخابات البرلمان على الابواب، حيث يزمع اجراؤها في كانون الاول 2010".
وهو يرى بان القوات الامنية وعناصر الصحوة ستواجه هجمات في المناطق المضطربة، معتقدا بان "تلك المناطق ستخضع في النهاية".
ويضيف عجاج بان بغداد "ستستمر بالاعتماد على الولايات المتحدة في غطائها الجوي –احدى نقاط الضعف في القوات العراقية- بالاضافة الى الاسناد التقني والمخابراتي".
كما عبر المستشار السابق لوزارة الدفاع ماجد الساري، عن قلقه بان القوات الامنية والعسكرية قد تخترق من قبل المليشيات بغياب الرقابة الاميركية.
واوضح الساري "لا نمللك جيشا محترفا... فالجيش مقسم بصورة كبيرة تحت مسميات عرقية وطائفية، والذي يبدو الآن قد حجبه حضور القوات الأمريكية تماما عن الأنظار. الا ان ذلك قابل للتغيير".
وهو ما وافقه معاون عميد كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد حميد فاضل، بان "القوات الامنية العراقية ما زالت غير ناضجة، ومازالت الولاءات العرقية والحزبية اقوى بكثير فيها من الحس الوطني".
واضاف "هذه حالة عامة في المجتمع العراقي ككل، فولاءاتنا لمجاميعنا الخاصة هي اقوى من ولاءاتنا لوطننا".
وفي السياق نفسه، عبر الساري عن مخاوفه من عودة البعثيين للظهور في الجيش، وبانه "ليست هناك ضمانات بان هذه المجاميع لن تقوم بانقلاب ضد الحكومة بعد الانسحاب الاميركي".
وهو ما اشار اليه حميد فاضل بان هناك تقارير عن اختراق عناصر لحزب البعث للعديد من المؤسات الحكومية والامنية، موضحا بان "ذلك يعد مؤشرا قويا لعودة حزب البعث".
محذرا "ان عملية الانسحاب مبكرة جدا، وخطرة في الوقت ذاته... المخاوف ازاء تجدد الصراع واردة جدا، والتوقيت غير مناسب للانسحاب، حيث يمكن ان يعني نهاية كل المكاسب التي حققناها خلال السنين الخمس الماضية، عائدين الى نقطة البداية".
باسم الشرع، عبير محمد، وداود سلمان، صحفيون متدربون معهد صحافة الحرب والسلام في بغداد.