تشجيع تعدد الزوجات في الانبار للتغلب على مشكلة النساء الارامل
حملات لتشجيع الرجال للزواج بأكثر من امراة تثير جدلاً في محافظة تكثر فيها أرامل الحرب
تشجيع تعدد الزوجات في الانبار للتغلب على مشكلة النساء الارامل
حملات لتشجيع الرجال للزواج بأكثر من امراة تثير جدلاً في محافظة تكثر فيها أرامل الحرب
عثمان المختار (تقرير الازمة العراقية رقم. 353، 23 ايلول- سبتمبر 2010)
أمضت ولاء أحمد، التي ترملت جراء غارة امريكية، أربع سنوات وهي تقاسم بيتاً مع أخت زوجها العدوانية قبل ان تقرر الزواج ثانية.
وعلى الرغم من ان التوتر العائلي الذي كان يسود البيت دفعها الى التفكير يائسة للانتقال خارج المنزل، فانها أجلت القبول بعرض زواج تقدم به صديق زوجها السابق، وذلك خوفاً من عدم قدرته على اعالتها مع ابنتها الصغيرة.
إلاان هدية بمبلغ أكثر من 4000 دولار ساعدها في تغيير رأيها. وكان المال مقدماً من منظمة خيرية تهتم بمساعدة الارامل في محافظة الانبار العراقية. وقد مكنها هذا المبلغ من الانتقال الى شقة صغيرة، كما منح زوجها، غزوان فاضل، الفرصة للعمل كسائق سيارة أجرة.
"لقد أستغربت عند سماعي بموضوع المنحة. ما كان باستطاعتنا الزواج من دونها". قالت ولاء من منتجع بحيرة الحبانية بالقرب من مدينة الفلوجة، حيث تقضي شهر العسل.
ويتفق غزوان مع ما تقوله ولاء حول ان المال قد ساعدهما في التغلب على معوقات مهمة كانت تقف حائلاً بوجه ارتباطهما، وبضمنها الاعتراضات التي كانت تبديها زوجته الاولى. اذ لم تكن تريده ان ياخذ زوجة ثانية، ولكنها الآن تسمح له بتقسيم وقته بين المنزلين.
"يُجدد تعدد الزوجات شباب الرجل، خصوصاً اذا كانت علاقته مع زوجته الاولى قد أصابها البرود" يقول غزوان. "والاكثر من ذلك انه يمنع الزنى ويحمي الارامل والمطلقات والعوانسمن الانجرار في حياة الفسق والفجور. لقد كانت تجربتنا ناجحة ويجب ان تكون مثالاً يحتذى به من قبل الآخرين".
ويمارس تعدد الزوجات منذ قرون في الكثير من المجتمعات الاسلامية، حيث يسمح الاسلام للرجال بالزواج من اربعة نساء شريطة معاملتهن بالتساوي. ومثل هذه الزيجات شائعة في العراق بين العوائل الغنية والمتنفذة في المناطق الريفية. وبالرغم من انتشارها على نطاق واسع، فان تعدد الزوجات ليس هو القاعدة، وان الغالبية العظمى من المتزوجين العراقيين هم من الرجال ذوي الزوجة الواحدة.
ويعتبر غزوان وولاء من ضمن مجموعة من المستفيدين من حملة مثيرة للجدل تشجع على تعدد الزوجات في الانبار، وهي المحافظة التي تقطنها غالبية من العرب السنة، والتي كانت مسرحاً لقتال عنيف بين المتمردين والقوات العراقية المدعومة من الجيش الاميركي.
وتدير الجمعيات الخيرية المحلية هذه الحملة، والتي تحظى بدعم رجال الدين وسياسيين بارزين. فمن خلال عرض المال على الرجال الراغبين في الزواج بأكثر من أمراة، فانهم يشجعون على تعدد الزوجات كحل تقليدي لمشكلة سكانية: الازدياد السكاني الواضح للنسوة غير المتزوجات او الارامل في مجتمع دمرته الحرب.
ويقول معارضو هذه الحملة، ومن ضمنهم خصوم الزعماء الذين يساندونها، بانها استغلال سياسي لن يكون له أثر حقيقي كبير. كما ويقول المنتقدون بانه كان من الاجدر انفاق الاموال المخصصة لتشجيع تعدد الزوجات على المخططات التي تجهز النساء اللواتي يعانين المشاكل لإعالة انفسهن،بدلاً من وضعهن تحت رعاية أزواجهن.
مخاوف انسانية
ويعيش ما يقرب من مليون و 700 ألف نسمة في محافظة الانبار. وحسب التقديرات فان 130 الف منهم، هم من النساء الارامل أو غير المتزوجات اللواتي لا يملكن رجل قريب ليعيلهن. غير ان هذا العدد يصل الى حوالي مليون امراة من هذا الصنف في أرجاء العراق.
وبينما يشكل عدد السكان في الانبار أقل من 6 بالمئة من مجموع سكان العراق، فأن عدد النسوة الارامل وغير المتزوجات فيها يمثل أكثر من واحد بالعشرة من العدد الاجمالي في البلاد.
ويعزو الكثيرون العدد الكبير للارامل في المحافظة الى القتال الذي وقع خلال السنوات الماضية، والذي كان ، على وجه الخصوص، دموياً في الانبار، حيث حصد في الغالب أرواح الشباب. بالاضافة الى انه دمر الكثير من الزيجات، كما وزادت أعمال العنف من المصاعب التي يواجهها الآخرون في الاقتران.
وغادر الآلاف من الشباب محافظة الانبار بحثاً عن عمل بعيداً عن الوضع الاقتصادي المشلول جراء الصراع. ولا يملك غالبية الباقين في الانبار وظائف ثابتة، ويمتنعون عن الزواج وتكوين العائلة بسبب التكاليف الباهضة.
وتعتقد ربيعة النايل، عضوة مجلس محافظة الانبار والمدافعة عن حملة تشجيع تعدد الزوجات، ان العدد المتزايد للأرامل وغير المتزوجات يشكل تهديداً لمجتمع الانبار التقليدي والمحافظ جداً.
"ان الزواج يساعد في الحفاظ على عفة النساء وتأمين المعيشة لهن" تقول النايل. "على جيل الشباب ان يأخذ أكثر من زوجة لمنع انهيار النسيج الاجتماعي... ليس الاسلام هو الدافع وراء الدعوة الى تعدد الزوجات، بل المخاوف الاجتماعية والانسانية".
وتنتمي النايل الى فصيل مرتبط بمجلس صحوة الانبار، وهو ميليشيا عشائرية يعود لها الفضل في قلب الطاولة على تنظيم القاعدة في المحافظة. وياتي الدعم السياسي لحملة تعدد الزوجات، بشكل رئيس، من عدد معين من زعماء الصحوة، ومن الاعضاء المحليين للحزب الاسلامي العراقي، وهي جماعة اسلامية سنية يتزعمها نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي.
وابلغ خالد العلواني، أحد قادة الحزب الاسلامي في الانبار، معهد صحافة الحرب والسلام، بان الحزب خصص أموالاً لتعدد الزوجات كجزء من حملة أوسع لمعالجة الاحتياجات الانسانية للنساء الارامل وغير المتزوجات.
"لقد شجعنا الرجال على الزواج من الارامل والمطلقات عندما أدركنا الحقيقة المؤلمة لأوضاعهن". قال العلواني.
وبحسب العلواني فان الحزب على استعداد لدفع مبلغ 750 دولار لأي رجل يختار زوجة ثانية، ومبلغ يصل الى 2000 دولار لأي رجل يتزوج امراة كانت متزوجة من قبل. ووفقاً للنايل فأن هناك مبالغ مالية أكبر تتوفر في بعض الحالات لرجال يتخذون زوجة ثالثة او رابعة.
ويقول المسؤولون بأن المئات من الناس قدموا طلبات لاستلام الاموال منذ بدء الحملة في أيلول 2010. ويقوم كل من مكتب الهاشمي وزعماء الصحوة وشبكة من المنظمات غير الحكومية المحلية بادارة الاموال المخصصة لهذه الحملة.
ويقول العلواني بانه تم صرف مبلغ 100 الف دولار على رعاية تعدد الزوجات في النصف الاول من 2010، لكنه لم يذكر رقماً عن عدد هذه الزيجات بالضبط، والتي تم انفاق مثل هذا المبلغ عليها.
ومع ذلك، ذكر مسؤول من منظمة الخير، وهي وكالة مساعدات انسانية محلية، بان الوكالة ساعدت في تقديم الاموال لـ 124 حالة زواج متعدد منذ بدء الحملة.
واضاف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، بانه قد تم جمع هذه الاموال من خلال قنوات عديدة، ومن ضمنها الجوامع ورجال الدين ومتبرعين شخصيين ومكتب الحزب الاسلامي وزعماء الصحوة.
فعل مباشر
ويجادل منتقدو حملة تعدد الزوجات، بان الحملة ستكون ذات تأثير محدود على مشاكل أكثر نساء الانبار ضعفاً وعرضة للاستغلال.
" حتى لو نجحت هذه الحملة فان عدد الازواج الذين تساعدهم سوف لن يتخطى العشرات، بينما يبلغ عدد النسوة اللواتي بحاجة الى المساعدة في المنطقة عشرات الالوف" يقول حكمت زيدان، نائب محافظ الانبار. " المشكلة تتطلب تخصيص ميزانية ضخمة".
ويضيف زيدان بانه قد تنتفع النساء الارامل وغير المتزوجات في الانبار من الزيادة في رواتبهن من الرعاية الاجتماعية. كما ان على الدولة ان تمول ورشات العمل والمشاريع ذات رؤوس الاموال الصغيرة التي تعين النساء على ان يصبحن مكتفيات ذاتياً.
ويتابع زيدان، بان السياسيين الذين دعموا قضية تعدد الزوجات كانوا يسعون، والى حد كبير، الى "اصلاح صورتهم" في الشارع الانباري.
ويجادل الشيخ رعد الصباح، وهو أحد زعماء الصحوة البارزين في الانبار، بان حملة تعدد الزوجات كانت في الواقع جزءاً من حملة سياسية للحزب الاسلامي العراقي لاعادة تجديد التاييد له في المحافظة.
ويقول الصباح " يقوم الحزب الاسلامي العراقي بصرف الاموال لاستعادة سلطته... انهم يحاولون كسب قلوب الناس وخاصة الفقراء منهم عن طريق هذه المشاريع".
ويدحض العلواني هذه التهمة، مصراً على ان أهداف هذه الحملة هي خيرية بالكامل.
"لا توجد فائدة واحدة للحزب الاسلامي العراقي من مبادرة تعدد الزوجات ماعدا مساعدة الناس" قال العلواني. "لدينا برامج اخرى عديدة لدعم الناس الذين يريدون الزواج، ومساعدة ضحايا الحرب والارهاب".
كما يدحض مؤيدو حملة تعدد الزوجات المزاعم التي تقول بأنه من الافضل انفاق هذه الاموال في مكان آخر، حيث يقولون بان الحملة هي عبارة عن فعل مباشر في دعم النساء المحتاجات، وتسد الفراغ الذي سببه فشل الحكومة في معالجة قضاياهن.
وتقول ابتسام العاني، العضوة في مجلس محافظة الانبار والناشطة في مجال حقوق المرأة " مئات النسوة يمضين ليلهن بالبكاء على وسادتهن" واضافت " ونحن ندرك بان الحكومة كانت منشغلة بالانتخابات والسياسة والتفجيرات ... لم نستطع انتظار السلطات للقيام بعمل ما، لذلك بدأنا بهذه الحملة".
وتنوعت ردود افعال المواطنين في الانبار ازاء مبادرة تعدد الزوجات.
وتقول باشية حماد، وهي ارملة في بداية الثلاثينيات من عمرها وام لثلاثة أطفال، بانها ترغب بالزواج مرة ثانية ولكن ليس على حساب كرامتها. "سأتزوج فقط من رجل يقبلني ويقبل أطفالي على ما نحن عليه وبموافقة زوجته. لا أريد رجلا يأتي بي الى البيت لأكون عبدة له".
وأضافت " يجب استخدام المال الذي تم جمعه لتشجيع حملة تعدد الزوجات في بناء ورشات العمل لكي نستطيع العيش بشرف وكرامة بدلاً من ان نصبح دخلاء على بيوت الناس الآخرين".
ويقول رشيد محمد، وهو معلم من رمادي في الاربعينات من عمره، بانه لا يمانع في الاقتران بزوجة ثانية، ولكنه على الارجح لا يكون قادراً على دفع نفقات الزواج.
"من يدخل في مثل هذا الزواج عليه تكوين عائلة منفصلة". قال محمد. " اذ لا ينال دعم زوجته الاولى".
عثمان المختار، المراسل المتدرب في معهد صحافة الحرب والسلام من مدينة الفلوجة، وتحريرنيل آرون، محرر تقرير الازمة العراقية من لندن.