السلام بين الشمال والجنوب مهدد
مصادمات حادة في منطقة أبيي المتنازع عليها تثير المخاوف من تجدد الصراع في الجنوب.
السلام بين الشمال والجنوب مهدد
مصادمات حادة في منطقة أبيي المتنازع عليها تثير المخاوف من تجدد الصراع في الجنوب.
كما أن من شأن استئناف القتال بين الشمال والجنوب ـ بعد ثلاث سنوات من الهدوء المتوترـ أن يزيد في عرقلة الجهود التي تبذلها قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في سبيل وضع حد للعنف في منطقة دارفور، وقد ينجح كذلك في تأجيل الانتخابات الوطنية ـ المشكوك أصلاً بإجرائهاـ بسبب استمرار إراقة الدماء في غرب السودان.
ويواجه السودان بالفعل حالياً انتقادات دولية شديدة، جراء تجديده أعمال العنف في دارفور واستمراره التأخر في نشر كامل قوات حفظ السلام المشتركة التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في دارفور.
وكذلك رفض السودان رفض التعاون مع النيابة العامة في المحكمة الجنائية الدولية التي وجهت العام الماضي الاتهام إلى اثنين من السودان على علاقة بالحرب في دارفور، إلا أنه لم يتم إلقاء القبض على أي منهما لأن السودان تذرع بحجة أنه ليس طرفاً في نظام روما الأساسي الذي تأسست المحكمة بموجبه.
وكان القتال في الحدود بين الشمال والجنوب في منطقة أبيي قد توقف في أعقاب التوقيع على اتفاق السلام الشامل في كانون الثاني2005؛ الذي أنهى إحدى وعشرين سنة من الحرب التي أودت بحياة ما يقدر بمليوني شخص وشردت نحو أربعة ملايين.
ويجدر بالذكر أن الهدوء النسبي الذي ساد في المنطقة سهل استغلال احتياطي النفط، ولكن عمليات الحفر جاءت في ظل الهجوم الذي شنه متمردو دارفور الذين يتهمون الحكومة السودانية باستخدام عائدات النفط لتمويل الحرب في دارفور.
إلا أن تجدد القتال في منطقة أبيي في جنوب وسط البلاد كان نتيجة الاشتباكات التي دارت بين الجيش الشعبي لتحرير السودان ورجال قبائل ميسيرية البدوية.
وقد قام كلا الجانبين بتبادل الاتهامات بالتسبب في وقوع الهجمات، مع زعم الجيش الشعبي لتحرير السودان بأن الحكومة السودانية قد قامت بتسليح قبائل المسيرية التي تقوم عادة برعي ماشيتها في المنطقة لعدة أشهر في كل سنة.
هذا وقد كانت قبائل الدينكا نغوك الجنوبية احتلت منطقة أبيي لأكثر من قرن، لكنها في السنوات الأخيرة كانت تحت سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان برئاسة الرئيس سالفا كيير الذي يحكم جنوب السودان شبه المستقل.
إلا أن التوتر بين الشمال والجنوب تجدد منذ أشهر، لأن كل جانب يتابع اغتصاب الحقوق في منطقة أبيي.
وكان حل هذه القضية من قبل لجنة الحدود المستقلة في أبيي جزءاً من اتفاق السلام الشامل لعام 2005 .
ولكن الرئيس السوداني السيد عمر البشير رفض العام الماضي قرار الفريق المختص الذي نص على انتماء أبيي إلى الجنوب، وبدلاً من ذلك ادعى أنه جزء من الشمال مستنداً إلى وثائق تعود إلى عام 1905.
وقد لام حريقة عز الدين حريقة زعيم قبائل الميسيرية التصعيد ضد الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي تدخل لمصلحة قبيلة الدينكا النغوك.
وعين موخراً زعماء قبائل المسيرية السيد محمد عمر الأنصاري حاكماً لأبيي. وقد أمر الأنصاري سودانيي الجنوب على الفور بإخلاء مكاتب لإفساح المجال أمام جبهة تحرير أبيي، التي تضم على حد قوله خمس كتائب يصل عدد مقاتلي كل منها إلى ثلاثة آلاف مسلح.
كما حث أيضا على جلاء النساء والأطفال عن أبيي.
وقد صرح في غضون ذلك السيد لوكا بيونغ دينغ وزير الشؤون الرئاسية في جنوب السودان، بأنه ليس لدى الجيش الشعبي لتحرير السودان أي نية لمغادرة أبيي.
وقد أعلن الرئيس كيير أن هذه الجولة الأخيرة من القتال هي محاولة من قبل حكومة البشير هدفها إبطال خطة العمل الشاملة.
وقال إن الحكومة زودت مقاتلي قبائل المسيرية بالأسلحة الثقيلة والمدفعية وإن هجمات مماثلة جرت في شهري كانون الأول وكانون الثاني قد ضمت جنودأً يحملون بطاقات الجيش السوداني.
وتذهب بعض التكهنات إلى أن تصاعد حدة القتال قد يكون خدعة من قبل الحكومة السودانية للدعوة إلى التعداد السكاني الوطنى الشهر المقبل، كخطوة ضرورية تؤدي إلى الانتخابات الوطنية المزمع إجراؤها في عام 2009.
ويخشى الشعب السوداني أنه في حال تم تأجيل الانتخابات الوطنية، أن يؤثر ذلك على توقيت الاستفتاء المزمع إجراؤه في عام2011 في الجنوب السوداني؛ والذي من شأنه أن يقرر ما إذا كان الجنوب سيبقى جزءاً من السودان أم أنه يسعى للاستقلال، علماً بأن جنوب السودان هو حالياً شبه مستقل.
هذا وقد يسمح وضع أبيي الذي لم يتم التوصل إلى حل بشأنه بعد بالطعن بصلاحية نتائج الاستفتاء التي قد تشير إلى ضم أبيي.
ويبدو أن هذه المخاوف تستند الى أسس متينة.
وصرح في عطلة نهاية الأسبوع الماضي مسؤولون في حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، بأن من المحتمل عدم إجراء التعداد الشهر المقبل في دارفور بسبب استمرار القتال هناك.
وقد أشار زعيم المتمردين السابق في دارفور ميني ميناوي ـ الذي هو الآن مع الحكومة ـ إلى أن اجراء تعداد سكاني وطني أو إجراء انتخابات لن يكون كاملاً دون دارفور، وبوجود هذا العدد الكبير من اللاجئين السودانيين فى تشاد المجاورة لن يكون مناسباً لا إجراء إحصاء ولا انتخابات.
ولكن ذهب مسؤولون في جنوب السودان إلى أن القتال في دارفور لا ينبغي أن يحرم بقية البلاد من الإحصاء أو الانتخابات.
حميد طابان، مساهم في معهد صحافة الحرب
وبيتر ايشستيدت محرر عن إفريقيا ـ معهد صحافة الحرب والسلم.