تعرض الميليشيات بناء مستشفى جديد في البصرة للخطر
حملة من الاعتداءات والعنف تؤخر انشاء المشروع الطموح في موعده المحدد.
تعرض الميليشيات بناء مستشفى جديد في البصرة للخطر
حملة من الاعتداءات والعنف تؤخر انشاء المشروع الطموح في موعده المحدد.
منذ البدء في مشروع بناء مستشفى الاطفال التعليمي في البصرة الذي خصصت له ميزانية ضخمة، تم قتل العشرات من العاملين فيه، ويخشى البعض انه سوف لن يتم اكماله مطلقا.
تعاني مستشفيات البصرة التي يسكنها مليوني انسان وتحتوي على اكبر احتياطي نفطي في العراق من شحة الادوية والتجهيزلت والكادر. تعصف الان ازمة الوقاية الصحية بكل المحافظة التي تشهد ظهور امراضا مميتة مثل التيفوس ومرض الحمى السوداء –KALA AZAR - الذي تسببه طفيليات ذبابة الرمل.
انتعشت الامال في ايار من عام 2005 من ان الرعاية الصحية في المحافظة سوف تتحسن بوضع الحجر الاساس لمستشفى الاطفال التعليمي. و كانت وزيرة الخارجية الامريكية كونداليزا رايس و لورا بوش زوجة الرئيس الامريكي جورج بوش من ضمن الذين اعلنوا خبر انشاء مستشفى الاطفال في البصرة .
كان من المفروض ان يتم الانتهاء من المشروع في 31 كانون الاول 2005، ولكن ورغم مرور سنة ونصف على الموعد المحدد لاتمام البناء، فقد بقي المشروع مجرد موقع لانشاء المستشفى.
دفعت الوكالة الدولية الامريكية للتطوير في شهر اب من عام 2004 مبلغ 50 مليون دولار الى شركة بكتل – التي تعتبر من اكبر الشركات الامريكية الهندسية - لقاء عقد بناء المستشفى . وكانت منظمة "مشروع امل" غير الحكومية قد وعدت بتوفير 30 مليون دولار لتوفير الاجهزة الطبية وتدريب كادر المستشفى.
يندرج بناء المستشفى ضمن قيمة المنحة الامريكية البالغة 18.4 مليار دولار لاعادة اعمار العراق، والتي ذهب 2.4 مليار منها الى شركة بكتل. وقد حصلت تلك الشركة التي مقرها في سان فرانسيسكو على عقود بناء محطات الكهرباء والماء والمجاري في كل انحاء العراق.
تشيد المستشفى على مساحة 71.000 متر مربع وبسعة 94 سريرا- قابلة للزيادة الى ضعف هذا العدد في المستقبل- . وتحتوي على 3 صالات للعمليات وجناح للطواريء وجناح لمعالجة مرضى السرطان مجهز باحدث التقنيات ومختبرات يمكن لطلبة جامعة طب البصرة استخدامها وكذلك اقسام داخلية للاطباء المقيمين.
كانت البصرة في ذلك الوقت من المواقع المثالية للتطوير ومشاريع اعادة الاعمار. كانت هادئة بعد سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين- حيث عانى سكانها الشيعة كثيرا من ذلك الدكتاتور وكانوا سعداء بالخلاص منه.
اشارت بكتل في تقرير اخير صدر عنها في ايلول 2006 ان البصرة" كانت في الايام الاولى للمشروع من اكثر الاماكن امانا وهدوءا في العراق".
ولكن بدأت الميليشيات الشيعية بعد ذلك بالسيطرة على المدينة. وقد استهدفوا المستشفيات بشكل خاص، وهددوا الاطباء وفرضوا هيمنتهم على اقسام المستشفى واعادوا تسميتها. تم تغيير اسم احدى اكبر المستشفيات في البصرة الى "مستشفى الصدر" وذلك بضغط من ميليشيا جيش المهدي التابعة لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.
سار مشروع بناء مستشفى الاطفال بشكل جيد في الشهرين الاولى قبل ان يبدأ مسلسل اراقة الدماء.
تم استهداف عمال المشروع واحدا بعد الاخر. تم اغتيال مدير امن موقع الشركة وهو ضابط سابق في الجيش العراقي في تموز 2005 . وقدم مدير المشروع استقالته بعد ان تسلم الكثير من رسائل التهديد وكذلك ترك العمل المهندس العراقي المسؤول في الشركة بعد اختطاف ابنته.
نقل الاردني بسام البو رياله المدير الاقليمي للمشروع مكتبه الى محافظة السليمانية في الشمال بعد ان تم تهديده. وكذلك ترك رئيس مهندسي المشروع حسين السامرائي، سني، البصرة بسبب خوفه. تم اغتيال 12 من العاملين في الشركة الثانوية المنفذة للمشروع والمكلفة باعمال الكهرباء والتاسيسات الصحية للمستشفى وهم في مكاتبهم. وتم كذلك اغتيال 11 عاملا اخرين من شركة اخرى تجهز المشروع بالكونكريت.
قال المدير التنفيذي للشركة كليف مام ان الشركة اعادت النظر بمسألة الامن وكانت مقتنعة بما وفرته من حماية للعاملين.
واضاف " لا يمكن ان نبقى تحت الاحتجاز. اعتقد ان جميع العاملين معنيون باتمام المشروع، ولا احد منهم يرغب بترك العمل دون اتمامه ".
ولكن مع تصاعد الخوف والتهديد، قررت الشركات الاخرى الانسحاب.
الغت شركة حمورابي التي تقوم بتجهيز المشروع بكتل الكونكريت عقدها مع الشركة وذلك بعد ان تم اغتيال عمالها. وكذلك قامت شركة الابتكار بايقاف عملها مع الشركة بعد ان هاجمها المسلحون مهددين بقتل كوادرها اذا لم توقف عملها في المشروع. لكن الابتكار عادت مؤخرا للعمل تحت اسم اخر جديد.
قال مدير المشروع طلال حسين السلوم الذي يعمل مع ميد كونتراكتنك (Mid Contracting ) احدى اكبر شركات التعمير في الاردن واحدى اكبر الشركات الثانوية الرئيسية بأن المشروع قد تمت مهاجمته ومن الصعب اقناع الناس بأن الهدف هو بناء مستشفى للاطفال ولبس سجنا او معسكر اعتقال يستعمله الامريكان.
واضاف " اخيرا، ادرك الناس ان المشروع حيوي ومهم".
تسبب الوضع الامني المتدهور بتأخير انجاز المشروع والذي ادى الى الـتأثير على الميزانية الكبيرة له.
في منتصف عام 2005، اخطرت شركة بكتل الوكالة الدولية الامريكية للاعمارعن التأخير وعن زيادة الكلفة كنتيجة للعنف وخسارة العمال. ففي اذار 2006، قالت الشركة ان المستشفى سوف لن يتم الانتهاء منها قبل تموز 2007 وان الكلفة ستزداد الى 98 مليون دولار.
ولكن بعد ثلاثة اشهر فقط، قدر المفتش العام الامريكي لاعمار العراق من ان كلفة المشروع ستزداد الى 150 او 170 مليون دولار.
الغت الحكومة الامريكية العقد مع شركة بكتل لتأخرها اكثر من سنة في تسليم المشروع ولتجاوزها على الميزانية المقررة له. قالت الشركة ان مشاكل الامن هي السبب وراء زيادتها لكلفة المشروع.
استؤنف العمل بالمشروع في اب 2006 من قبل الشركة الهندسية التابعة للجيش الامريكي US Army Corps of Engineers التي تسلمت ادارة المشروع في خريف 2006، فيما استمرت شركة Mid Construction بصفتها المتعاقد الثانوي الرئيسي.
في ربيع 2007، تم انجاز 70% من اجمالي المشروع.
قال مام الذي لم تعد شركته بكتل تعمل في العراق انه يشك في انجاز مشروع المستشفى تحت الظروف الحالية في البصرة التي يسيطر عليها الميليشيات الشيعية المتنافسة.
وعلى اية حال، قال سلوم ان كادر المشروع الان على وفاق مع الميليشيات المحلية ورجال الدين في المدينة. موعد الانتهاء من المشروع الان هو ايلول عام 2008، ويتوقع ان تكون المستشفى مجهزة بالكامل وجاهزة لاستقبال المرضى بحلول كانون الثاني 2009.
يبقى عامر الخزاعي وزير الصحة وكالة متفائلا بان مستشفى البصرة للاطفال سيتم انجازه، " وانه رغم كل التحديات، فان المشروع يبقى لمصلحة الجميع".